للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشنا وإنّ لنا مرتحلا إلى الآخرة إذا فنينا. ويقال إنّ في الدنيا محلا ومرتحلا إلى الآخرة إذا فنينا، والسفر: المسافرون يعني به من مات.

وقال أبو عمرو مهلا مهلة لمن بقي بعدهم؛ أي يستعد ويصلح من شأنه. وقال أبو عبيدة: إنّ مقيما وإنّ مسافرا، وإن في السفر إذ مضى مهلا. قال ذهابا لا يرجعون، وقيل إن للسفر: يريد من قدم لآخرته فاز وظفر، والمهل: السبق. والذي عند سيبويه أنّ الخبر محذوف، وهو مستقر كنحو ما قدرناه وذكرناه.

وقال الفراء: إنما تحذف مثل هذا إذا كررت (إن) لتعرف أن أحدهما مخالف للآخر عند من يظنه غير مخالف. ويحكى أنّ أعرابيّا قيل له الذبابة الفارة، فقال: إن الذبابة وإنّ الفارة. قال: وتقديره إن الذبابة ذبابة وإن الفارة فارة، ومعناها إنّ هذه مخالفة لهذه.

والخلاف الذي بين الاسمين يدل على الخبر. قال والفائدة أن المحل خلاف المرتحل، وأنشد أصحابنا في الواحد الذي لا مخالف معه قول الأخطل:

خلا إنّ حيّا من قريش تفضلوا ... على الناس أو أنّ الأكارم نهشلا (١)

وقد اطرد الحذف في (لا) كقولنا لا حول ولا قوة إلّا بالله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله. والتقدير: لا حول لنا ولا قوة. والفراء قائل بهذا الحرف. فهذا شاهد لذلك.

وذكر سيبويه من المحذوف: إن غيرها إبلا وشاة، اسم إنّ (غيرها) والخبر (لنا) وهو محذوف. وإبلا وشاة منصوب على التمييز أو الحال؛ كقوله: ما في الناس مثله فارسا.

ومثل ذلك قول الشاعر:

يا ليت أيام الصبى رواجعا (٢)

تقديره: يا ليت لنا أيام الصبى، أو يا ليت أيام الصبى أقبلت رواجعا، ورواجعا منصوب على الحال، وهو كقوله: ألا ماء باردا، ومعناه ألا ماء لنا باردا. وتقول إن قريبا منك زيدا إذا جعلت قريبا منك موضعا، أي أن في مكان قريب منك زيدا، وإذا جعلت الأول هو الآخر قلت إن قريبا منك زيدا. أردت من القرابة أو القرب كأنك قلت: إن رجلا قريبا منك زيد، وهو مستعمل؛ لأنه قد قربته من المعرفة بدخول منك، ومثله: إنّ بعيدا منك زيد، يريد أن رجلا بعيدا منك

زيد. إما في بعد النسب أو بعد المذهب


(١) البيت في ابن يعيش ١/ ١٠٤، والخصائص ٢/ ٣٧٤، المقتضب ٤/ ١٣١، وتاج العروس (نهشل).
(٢) الرجز لرؤبة في ابن يعيش ١/ ١٠٤، والكتاب ١/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>