للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأخلاق أو بعد المكان. والوجه إذا أردت هذا أن تقول إنّ زيدا قريب منك أو بعيد؛ لأنه اجتمع معرفة ونكرة، فالأولى أن يكون الاسم هو المعرفة. وقال امرؤ القيس:

وإنّ شفاء عبرة مهراقة ... فهل عند رسم دارس من معول (١)

فهذا أحسن لأنهما نكرة.

قال: " وإن شئت قلت إنّ بعيدا منك زيدا، وقلما يكون بعيدا منك ظرفا، وإنما قلت لأنك لا تقول إنّ بعدك زيدا، وتقول إن قربك زيدا، فالدنو أشد تمكنا في الظروف من البعد ".

قال أبو سعيد: إنما صار الدنو أشد تمكنا؛ لأن الظروف موضوعة على القرب أو على أن تكون ابتداؤها من قرب، فأما الموضوع على القرب ف (عند) و (لدن) وما كان في معناهما كقولك زيد عندك. وأما ما لا يكون ابتداءه من قرب فالجهات المحيطة بالأشياء كخلف وقدام ويمنة ويسرة وفوق وتحت؛ لأنّا إذا قلنا زيد خلف عمرو فهو مطلوب خلفه من أقرب ما يليه إلى ما لا نهاية له، والبعد لا نهاية له، ولا حدّ لأوله معلوم؛ كعلم حدود الجهات الست، ويقوى ويكشفه أنّا إذا قلنا قربك زيد طلبه المخاطب فيما قرب منه، وذلك ممكن مفهوم، كما تقول عندك زيد، وإذا قلنا خلفك زيد ابتداء بما يليه من خلفه واستقراه طلبا له. وإذا قلنا بعدك زيد لم يكن ذاك فيه.

قال: " وزعم يونس أن العرب تقول إنّ بدلك زيدا أي أنّ مكانك زيدا، والدليل على هذا قول العرب هذا لك بدل هذا؛ أي هذا لك مكان هذا، وإن جعلت البدل بمنزلة البديل قلت إنّ بدلك زيد أي إنّ بديلك زيد ".

لأنّ البدل يستعمل في موضع مكان والبديل هو الإنسان.

قال: " وتقول إنّ ألفا في دراهمك بيض، وإن في دراهمك ألفا بيض، فهذا يجري مجرى النكرة في (كان) و (ليس)؛ لأن المخاطب يحتاج إلى أن تعلمه هذا، كما يحتاج إلى أن تعلمه في قولك: ما كان أحد فيها خيرا منك، وإن شئت جعلت فيها مستقرا وجعلت البيض صفة ".

يعني أن النكرة قد تكون اسم إن إذا كانت فيها فائدة، كما كانت اسم (كان) و (ليس) ويجوز: أن في دراهمك ألفا بيضا، إذا جعلت في دراهمك هي الخبر.


(١) البيت في ديوانه ٩٠، والكتاب ١/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>