للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد وأول.

والعلة الثانية في كسر: " أوان " أنا رأينا: " لات " قد يقع بعدها الأزمنة منصوبة ومرفوعة، إذا لم يكن محذوفا منها شيء، فلو قيل: لات أوانا، أو: لات أوان، كانا معربين، ولم يكن دليلا على حذف شيء، وصار بمنزلة قوله: " لات حينا " و " لات حين " بلا تقدير حذف من " حين " فنونوا لما ذكرنا، وكسروا لأن يخرج هذا من اللبس.

وقد زعم بعضهم في: " لات أوان " أن " لات " جارة للأوان، بمنزلة حرف من حروف الخفض، وهو قول بعض الكوفيين. ولو كان كما قال، جاز أن تقول:

" ولات حين مناص "؛ لأنه جر فاعرفه إن شاء الله.

ومن ذلك: " هنا "، وهو إشارة إلى ما خص من المكان. وفيه ثلاث لغات: هنّا، وهنّا، وهنّا، وهي أردؤها. قال ذو الرمة في التشديد:

هنّا وهنّا ومن هنّا لهن بها ... ذات الشمائل والإيمان هينوم (١)

ويجوز إدخال حرف التنبيه عليه كما تدخله على: " ذا " إذا أشرت إليه، تقول: " ها هنّا " و " ها هنّا " و " ها هنّا ". واستحق البناء للإشارة والإبهام، كما استحق:

" هذا " و " هؤلاء " وما جرى مجراهما. ولا تجوز الإشارة به إلى شيء غير المكان، إلا أن تجريه مجرى المكان

مجازا؛ كقولك: " قف حيث أمرك الله "، وإنما " حيث " للمكان، و " زيد دون عمرو في مرتبته وفوقه فيها ". و " دون " و " فوق " يستعملان في حقيقة اللغة لما علا شيئا أو انحط عنه. وقد جاء في الشعر للزمان. قال الأعشى:

لات هنّا ذكرى جبيرة أو من ... جاء منها بطائف الأهوال (٢)

أراد: ليس هذا أوان ذكرى جبيرة، وهي امرأة.

فإذا أشرت إلى مكان منتح متباعد، قلت: " ثمّ " إذا وصلت الكلام، فإذا وقفت عليه وقفت بالهاء، فقلت: " ثمّة ". وإنما ألحقت الهاء إذا وقفت؛ لأن كل متحرك ليست حركته إعرابا، جاز أن يلحق آخره هاء في الوقف؛ نحو: " كيف " و " أين " و " هي " و " هو "؛ فتقول: " كيفه " و " أينه " و " هيه " و " هوه ". قال حسان:


(١) انظر ديوانه ص ٥٧٦.
(٢) انظر ديوانه ق ١/ ٣ ص ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>