للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ما ترعرع فينا الغلام ... فما إن يقال له من هوه (١)

ويجوز ألا تلحق هاء؛ فتقول: " جئتك من ثمّ ". وإنما وجب أن تفتح آخره من قبل أن " ثمّ " يشار به إلى متباعد، فوجب بناؤه على سكون للإشارة التي فيه، ولإبهامه على ما تقدم في المبهمات، فالتقى في آخره ساكنان، ففتح للتشديد الذي فيه، ولا يستعمل إلا للمكان المتنحي أو ما يجري مجراه.

فإن قال قائل: فهلا زادوا على إشارة الحاضر من المكان كافا، فتكون إشارة إلى المتنحي منه، كقولهم: " ذا " إذا أشاروا إلى حاضر، وإذا أشاروا إلى متنح زادوا كافا للمخاطب، وجعلوه علامة لتباعد المشار إليه فقالوا: ذاك؟

قيل له: قد فعلوا مثل ذلك في الإشارة إلى المكان، فقالوا: " هنا " ثم قالوا: " هناك " فدلّوا بزيادة الكاف على المكان المتنحي المشار إليه، ثم جعلوا للمكان المتباعد لفظا تدل صورته على تباعده، ولم يحتاجون إلى الكاف، وهو قولهم: " رأيته ثمّة " فثّمة صورتها تدل على تباعد المكان.

فإذا قالوا: " رأيته هناك " دلت الكاف على مثل ما دلت عليه " ثمّة " بغير كاف.

والدليل على ذلك أنهم لو نزعوا الكاف فقالوا: " رأيته هنا " بغير كاف، صارت الإشارة إلى مكان حاضر. وقد علمت أن الكاف مع " هنا " بمنزلة: " ثمّ " بصيغتيها، ويدخلون اللام لتأكيد التباعد، فيقولون: " هنالك "، كما يقولون: " ذلك "، ولا فرق بينهما في الإشارة، غير أن " هنالك " وبابها إشارة إلى مكان، و " ذلك " إشارة إلى كل شيء فاعرفه إن شاء الله.

قال أبو العباس: " ذلك " أشد تراخيا من: " ذاك ". فقال أبو إسحاق: دخلت اللام عوضا من سقوط حرف التنبيه؛ ذلك أنه لا يقال: " هذا لك " وانكسرت اللام؛ لأنها زيدت ساكنة وكسرت لالتقاء الساكنين.

ومن ذلك: " الآن " وهي مبنية على الفتح.

قال أبو العباس المبرد: الذي أوجب بناءها أنها وقعت في أول أحوالها بالألف واللام، وحكم الأسماء أن تكون منكورة شائعة في الجنس، ثم يدخل عليها ما يعرفها من


(١) انظر: ديوانه ص ٤٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>