للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا إنّك قائم؟ وقد يحتمل أن يكون بيت عنترة أن تكون الكاف في (ويك) للخطاب؛ مثل الكاف في رويدك.

قال: " واعلم أن ناسا من العرب يغلطون فيقولون إنهم أجمعون ذاهبون، وإنك وزيد ذاهبان، وذلك أن معناه

معنى الابتداء، فيرى أنه قال هم كما قال:

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

وأما قوله والصابئون فعلى التقديم والتأخير، كأنه ابتداء، والصابئون بعد ما مضى من الخبر وقال الشاعر:

وإلّا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق (١)

كأنه قال: بغاة ما بقينا وأنتم».

قال أبو سعيد: قد ذكر بعض النحويين أن الغلط إنما وقع في أنهم أجمعون؛ لأن لفظ هم يكون للرفع في قولك هم قائمون، وأشباه ذلك، فتوهموا أنهم في تقدير هم أجمعون، وجعل إنك وزيدا في معنى أنت وزيد ذاهبان، والغلط فيه أن ذاهبان خبر الكاف في إنك، وهو منصوب بإن وزيد وهو مرفوع بالابتداء، وخبر إن يرتفع بغير الذي يرتفع به خبر الابتداء، ولو قال إنك ذاهب وزيد، كان من أجود كلام على ما بيناه، وفي مذهب الكوفيين إنك وزيد ذاهبان جائز لا غلط فيه. أما الكسائي فإنه يجيز ذلك فيما ظهر فيه عمل (إنّ) وفيما لم يظهر فيه؛ كقولك: إن زيدا وعمرو قائمان، وإنك وعمرو قائمان، وأما الفراء فإنه يجيز فيما لم يتبين فيه عمل إن كقولك إنيّ وزيد ذاهبان، وإن الذي في الدار وزيد قائمان، ولا يجيزه فيما يتبين فيه عمل إن، لا يجيز إن عمرا وزيد قائمان؛ لأنهم يزعمون أن عمل إن ضعيف، وأنه يعمل في الاسم وحده، وأنه لا يتخطى إلى الخبر، وأن الخبر مرفوع بما كان يرتفع به قبل دخول إنّ، وقد بينا بطلانه.

ومن بطلان ما ادعوه في ضعف عملها أنها تعمل في الاسم، وبينها وبين الظرف خبر أو غير خبر؛ كقوله عز وجل: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ (٢) فهذا يدل على قوة عمل إن والغلط في (ولا سابق شيئا) أن خبر ليس يستعمل كثيرا بالباء، فيتوهم العاطف أنّ في الأول الباء أو يجريه على ما كان يستعمل، كما يجري الاسم على موضع إنّه، كأنها ليست في الكلام، وكذلك تقول: بدا لي أني لست مدرك ما مضى، ولا سابق على ما


(١) البيت لبشر بن أبي خازم في ديوانه ١٦٥، وابن يعيش ٨/ ٧٠، والإنصاف ١٩٠.
(٢) سورة المائدة، من الآية ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>