للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وي كأن من لم يكن له نشب ... يحبب ومن يفتقر يعش عيش صعر (١)

قال أبو سعيد: في (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ) ثلاثة أقوال؛ أحدها قول الخليل الذي ذكرناه تكون وي كلمة تندّم يقولها المتندم عند

إظهار ندامته، ويقولها المندم لغيره، والمنبه له، ومعنى «وكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده» (٢) وإن كان لفظه لفظ التشبيه فمعناه التحقيق. قال الشاعر:

وأصبح بطن مكة مقشعرّا ... كأن الأرض ليس بها هشام (٣)

ومعناه: الأرض ليس بها هشام؛ لأنه مات، وهذا من مراثيه، والقول الثاني قول الفراء: يكون (ويك) موصولة بالكاف، وأن الله منفصلة من الكاف. وذكر الفراء أن معناها في كلام العرب تقرير، كقول الرجل: أما ترى إلى صنع الله تعالى؟ واحتج الفراء على من قال هي (وي) ثم بعدها (كأن)، بأنها كتبت موصولة غير مفصولة. والحجة للخليل في فصل كأن من وي وإن كانت موصولة في الخط أنه كتب في المصحف موصولا بعد ما حقه أن مفصولا كقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (٤) ما بمعنى الذي وحقه أن يكتب مفصولا (أن ما غنمتم) وكتبت في المصحف موصولة (أنما) وكل واحد من مذهب الخليل ومذهب الفراء يتخرج على ما روي عن المفسرين؛ لأن قوله: ألم تر تنبيه على ما قاله الخليل، وأجاز الفراء وغيره أن يكون ويك بمعنى ويلك، وحذفت العرب اللام لكثرتها في الكلام. وأنشد قول عنترة:

ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم (٥)

قال أبو سعيد: وهذا عندي يبعد؛ لأنه لا يقال ويلك أنّ زيدا قائم بفتح أنّ، وإنما يقال ويلك إنّ زيدا قائم؛ لأن ويلك منقطع مما بعده، والقول الثالث: ما حكاه الفراء عن بعض النحويين أنه يذهب إلى أنها ويك بمعنى ويلك، وجعل (أنّ) مفتوحة بفعل مضمر، كأنه قال ويلك أعلم أن الله، وأنكر الفرّاء هذا وقال ألا ترى أنه لا يجوز في الابتداء: يا


(١) البيتان نسبا في اللسان إلى زيد بن عمرو بن نفيل، والدرر ٢/ ١٤٠، ونسب إلى أبي الأعور سعيد بن زيد في البيان والتبيين ١/ ١٦٦، وابن يعيش ٤/ ٧٦.
(٢) سورة القصص، من الآية ٨٢.
(٣) البيت في الدرر ١/ ١١١، وشواهد المغني ١٧٤.
(٤) الأنفال، من الآية ٤١.
(٥) البيت في ديوانه ١٢٨، وابن يعيش ٤/ ٧٧، وشواهد المغني ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>