قلنا: هذا الحديث لا يقاوم أحاديث النهي في السند، وإن ثبت، فإن نأوّله على أنه نفي فيه التحريم دون الكراهة، فعرفهم بأحاديث النهي ما خصه الله به من المنزلة، وأرشدهم إلى طريق الأدب، ثم لم ير أن يحرج عليهم، حتى يفضي بهم إلى الحرمة، فقال قوله ذلك، وأرى فيه وجهاً هو أبلغ من ذلك، وهو أنه نهي الرجال إذا ولد لهم مولود أن يسموه قاسماً ليكتنوا به، فينادون بحضرته فيقع الاشتباه في المنادى، فيقضي إلى الوضع من حقه، ألا ترى أن ذلك كان عاة النهي، وذكر ذلك في حديث أنس الذي أورده المؤلف في أول هذا الباب، ولم ينه عن ذلك في حديث عائشة؛ لأن المولود كان المكنى بأبي القاسم وقد علم أنه لا يبلغ في زمانه السن الذي يدخل به في غمار من يصحبه وينادي يحضرته؛ فكان في هذا المعنى كالذي كان في غير زمانه، وقد استبان بحديث على أن التمييز كان مقصوراً على زمانه، وهو أنه قال: (يا رسول الله، أرأيت إن ولد لي بعدك ولد، أأسميه محمداً وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم).
على هذا رأينا التوفيق بين هذه الأحاديث.
[٣٥٦٩] ومنه حديث سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لاتُسمينَّ غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح ...) الحديث.
المراد من الغلام -على ما بّينه الصحابي في هذه الرواية -الرقيق.
أخرج مسلم في كتابه عن سمرة أنه قال: (نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نسمي رقيقنا بأربعة أسماء ....) الحديث.
قلت: والمشكل من هذا الحديث هو أن المعنى الذي يمنع عن التسمية بها على ما ذكره في الحديث أنه إذا قال: أثم أفلحُ؟ فيقال: لا عاد الأمر فيه من الفأل الحسن إلى ما ينافيه. وهذا معنى يستوي فيه العبيد
[١٥١/أ] والأحرار، فما وجه تخصيص العبيد به، وقد كان الأحرار يُسمون بتلك الأسماء في زمان النّبوة وقبلها؟!
يشهد به أسماء الصحابة من وجوه القبائل وأسماء آبائهم الذين لم يجر عليهم رق في جاهلية ولا إسلام.
قلنا: يحتمل أنه أسند النهي إلى تسمية الأرقاء؛ لأنهم هم الأكثرون في تسميتهم بتلك الأسماء.
ويحتمل أنه أراد بالغلام الصبي الذي يسمى، حراً كان أو عبداً.
ويحتمل أنه أراد بالغلام الصبي الذي يسمى، حراً كان أو عبداً.
قال الله تعالى حكاية عن زكريا -عليه السلام-:} قال رب أنى يكون لي غلام {ففهم الصحابي عنه المملوك، ففسره على حسب ما وقع له، وإنما أقدمنا عل هذا التأويل؛ لأن الغلام في الحديث لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفسيره بالرقيق من كلام الصحابي، فالأشبه أنه سمعه على ما ذكرنا ثم فسره على ما نقلناه من كتاب مسلم.
ويحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير التسمية بها للعلة التي ذكرت في متن الحديث، ولما فيه من التزكية.