فرغ: أي قضاه وأتمه ونحو ذلك مما يشهد بأنه من مجاز القول فإنه -سبحانه وتعالى- أن يشغله شأن عن شأن، أو يطلق عليه الفراغ الذي هو ضد الشغل.
وفيه:(فأخذ بحقوى الرحمن) معناه فاستجارت بكنفي رحمته والأصل في الحقو معقد الإزار، ولما كان من شأن المستجير أن يستمسك بحقوى المستجار به، وهما جانباه الأيمن والأيسر، أستعير الأخذ بالحقو في اللياذ بالشيء تقول العرب: عذت بحقو فلان أي: استجرت به واعتصمت.
وفيه:(فقال مه) أي: ما تقول؟ على الزجر أو الاستفهام.
وها هنا إن كان على الزجر فبين، وإن كان على الاستفهام فالمراد منه الأمر بإظهار الحاجة دون الاستعلام، فإن الله تعالى يعلم السر وأخفى. وقيل: هو في الحقيقة ضرب مثل واستعارة، اذ الرحم معنى وهو اتصال القربى بين أهل النسب.
] ٣٧٠٤ [ومنه حديث عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(الرحم شجنة من الرحمن).
الشجنة بالكسر: عروق الشجر المشتبكة، وكذلك الشجنة بالفتح، والشجن بالتسكين: واحد شجون الأودية وهي طرفها، ويقال الحديث ذو شجون أي: يدخل بعضها في بعض.
قال أصحاب الغريب في معناه، أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، وعلى هذا فكأنهم يريدون أنها موهوبة من الرحمن أو مجعولة كذلك، وهذا المعنى صحيح، فإن كل الأشياء من الله خلقا وإيجادا، ولكنه ليس بمعنى الحديث، وإنما المراد من الرحمن أي: من هذا الاسم، يدلك عليه حديثه الآخر:(شققت لها من اسمي) وفي الحدث (إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون وبها يتراحمون) الحديث.
فتبين لنا من هذا الحديث أن معنى قوله (شجنة من الرحمن): أي اسم اشتق من رحمة الرحمن أو أثر من آثار رحمته مشتبكة بها، فالقاطع منها قاطع من رحمة الله.