للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: إنما لم يكن له الزيادة على ثلاثة أيام فيما كان بينهما من الأمور الدنيوية. وأما إذا كان الهجران في حق من حقوق الله، فله ما فوق ذلك، ولقد هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة الذين خلفوا: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع- رضي الله عنهم- فلم يكلمهم خمسين يوماً، وأمر الناس بهجرانهم.

ولما اعتل بعير صفية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزينبك أعطيها بعيراً، وكان عندها فضل ظهر، فقال: أنا أعطي تلك اليهودية، فغضب رسول الله [١٦١/ب]- صلى الله عليه وسلم - فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر.

قلت: ولم نجد في السنة مدة الهجران عن المسلم أبلغ من هذا.

قلت: قد وجدنا من السلف من هجر أخاه المسلم في أمر كرهه عنه من أمور الدين السنة والسنتين، ومنهم من هجر صاحبه في ذلك عمره، ورأوا أنفسهم في فسحة من ذلك ما لم يعد المهجور عما ابتدعه.

وفيه: (فقد باء بإثمه) أي: رجع بإثمه فصار عليه، والضمير في (إثمه) محتمل لوجهين:

أحدهما: أن يعود إلى الهاجر أخاه، أي اكتسب وزراً من حيث لم يرد السلام عليه فرجع به.

ويحتمل أن يعود على المسلم فيكون ذلك على الاتساع وهو الواصل المسلم يكسب عملاً صالحاً فيحط به عن خطيئته، والمعرض يكتسب خطيئة بعدما كان عليه من الهجران وذلك تركه لرد السلام لواجب عليهن فصار هو فيما زاد من خطئه (ونقص من خطيئة) صاحبه كالذي عاد بإثم صاحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>