للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله في هذا الحديث (ثلاثة)، أي: ثلاثة أيام، وفي الحديث التالي لهذا الحديث، وهو حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- (ثلاث) أي: ثلاث ليالي، وفي حديثه هذا: (فمات دخل النار)، أي استوجب الدخول، والواقع في الإثم كالواقع في العقوبة.

[٣٧٩٥] ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) استدل بهذا الحديث من يقول بإحباط العمل من المبتدعة الضلال، ولا حجة لهم في ذلك، لما في الأحاديث الصحاح من خلاف ما ذهبوا إليه، وهي أكثر وأظهر وأوضح مما تمسكوا بالمفهوم عنه، فمنها حديث المفلس (الذي يأتي يوم القيامة وقد ضرب هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته ..) الحديث. فلو كانت الكبيرة محبطة للحسنات لم يكن يبقى لهذا المتعاطي تلك الكبائر حسنة يعطي خصمه مع الكبائر التي ذكرت؛ فلابد إذاً أن يأول هذا الحديث على وجه لا يخالف الأحاديث الصحاح والأصول المستنبطة من الكتاب والسنة، وذلك من وجهين:

أحدهما: أن نقول إن الحسد يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود، وشتمه، وربما يتلف ماله [١٦١/ب] ويسعى في سفك دمه، وكل ذلك مظالم يقتص عنها بها في الآخرة، ويذهب في عرض ذلك حسناته، وهذا هو المراد من الإحباط.

والوجه الآخر: أن نقول: التضعيف في الحسنات يوجد على حسب استعداد العبد وصلاحه في دينه، فمهما كان مرتكباً للخطايا نقص من ثواب عمله فيما يتعلق بالتضعيف ما يوازي انحطاطه في المرتبة بما اجترحه من الخطايا، مثل أن يقدر أن ذا رهق عمل حسنة فأثيب عليها عشراً، ولو لم يكن رهقه لأثيب أضعاف ذلك، فهذا الذي نقص من التضعيف بسبب ما ارتكبه من الذنب هو المراد من الإحباط.

وقد مر في باب الصلاة نحو هذا القول، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>