فيما ذكره مع معنى الحديث وفي إيراده هذا اللفظ في جملة الألفاظ التي يرويها الرواة ملحونة فنظر لأن الخبيث إذا جمع على ما ذكره يجوز أن يسكن منه الباء للتخفيف كما يفعل في سبيل سبل وسبل، ونظائرها من الجموع، وهذا الباب مستفيض في كلامهم غير نادر، ولا يع لأحد مخالفته إلا أن يزعم أن ترك التخفيف فيه أولى؛ لئلا يشتبه بالخبث الذي هو مصدر.
[٢١٧] ومنه حديث ابن عباس- رضي الله عنه:(مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير)، أي: في أمر شاق عليهما؛ قال الله تعالى {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} أي شاقة، والمعنى: إنهما يعذبان فيما لم يكن يكبر عليهما؛ تركه، ولا يجوز أن يحمل على أن الأمر في النميمة وترك التنزة عن البول ليس بكبير في حق الدين.
وفيه:(لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا)، وجه هذا التحديد أن نقول: إنه سأل الله التخفيف عنهما مدة بقاء النداوة فيهما، وقول من قال: وجه ذلك أن الغصن الرطب يسبح الله ما دام فيه النداوة فيكون مجيرا عن عذاب القبر، قول لا طائل تحته ولا عبرة به عند أهل العلم.
[٢١٨] ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(اتقوا اللاعنين) أي: الأمرين الجالبين للعن، وإنما أضاف الفعل إليهما على سبيل السببية؛ لأنهما لما صارا سببا لذلك كانا كأنهما اللاعنان، ومنه: حديث معاذ- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اتقوا الملاعن الثلاث)، الملاعن: جمع ملعنة وهي الفعلة التي يلعن فاعلها كأنها مظنة اللعن ومعلم له، كما يقال:(ترك العشاء مهرمة)، (وأرض مأسدة) وفيه: (الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم)، أي تخلى الذي يتخلى في طريق الناس، عبر عن الفعل بفاعله، ومعنى أو في ظلهم أي: متظلمهم الذي اتخذوه مناخا ومقيلة، وفي هذا النوع من الظل ورد النهي دون سائر الظلال، فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[٤٤/ب] قعد تحت حائش من النخل لحاجته، وهو المجتمع من الشجر نخلا كان أو غيره، ولابد أن يكون للحائش ظل.