لا يجوز حمل هذا الحديث ولا ما ورد في معناه على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مترددا في عاقبة أمره، غير متيقن بما له عند الله من الحسنى؛ لما ورد عنه من الأحاديث الصحاح التي ينقطع العذر دونها بخلاف ذلك، وأنى يحمل على ذلك وهو المخبر عن الله تعالى أنه يبلغه المقام المحمود، وأنه أكرم الخلائق على الله، وأنه أول شافع وأول مشفع، وأنه وأنه ... إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في معاني الاجتباء.
فيحمل ذلك على أنه نفى علم الغيب عن نفسه، وأنه ليس بمطلع على المكنون من أمره وأمر غيره.
وقد كان هذا القول منه حين قالت امرأة لعثمان بن مظعون لما توفي:(هنيئا لك الجنة) وقد اختلف أهل النقل في تلك المرأة؛ فمنهم من قال: هي أم السائب. ومنهم من قال: هي أم خارجة. ومنهم من قال: هي أم العلاء الأنصارية.
وعلى مثل هذا التأويل تأويل قوله سبحانه:{قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} وقد حسن دخول (لا) في قوله: {ولا بكم} مع أن وجه الكلام: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم، ليتناول النفي في: لا أدري، ما يفعل بي وما في حيزه، بل يتضمن فائدة لم تكن توجد بدونه، وهو اشتمال النفي على كل واحد من القبيلين على حدة، ثم فيه تنبيه على الافتراق في صيغتي ما يفعل به وما يفعل بهم.
[٣٩٨٥] ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (رأيت عمرو بن لحى يجر قصيه في النار ...) الحديث [١٦٩/أ]
عمرو هذا هو ابن لحى بن قمعة بن خندف الكعبي، وهو أول من سن عبادة الأصنام بمكة، وسيب لها السوائب، حملهم على التقرب إليها بتسييب السوائب، وذلك بأن تسيب في المرعى فلا ترد عن حوض ولا علف، ولا يحمل عليها ولا تركب.
وكانوا يسيبون العبيد فيقولون: هو سائبة فيعتق، ولا يكون ولاؤه لمعتقه، ويضع ما له حيث يشاء.
وأصل الكلمة من سيبته فساب, وفي كتاب مسلم:(وكان أول من سيب السيوب) مكان السوائب، والمشهور في السيوب أنه الركاز.
ومنه الحديث:(وفي السيوب الخمس) فإن كان اللفظ محفوظا عن فصحاء الرواة دون العجم منهم، فالوجه فيه أن يكون جمع سيب، فإن السائبة تجمع على سيب مثل نائحة ونوح، ثم تجمع السيب على سيوب أو جمع السيايب، وعنى به: الظهر، على سيوب مثل راكب وركوب، وساجد وسجود.