وفيه: (إلا بقايا من أهل الكتاب) المراد بهم: من بقى على الملة القويمة من الفرقة الناجية من النصارى.
وفيه: (وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الما) فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنا لم نكتف بإيداعه الكتب فيغسله الماء، بل جعلناه قرآنا محفوظا في صدور المؤمنين. قال الله تعالى: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم}.
وثانيها: أن المراد من الغسل النسخ، والماء مثل: أي: أنزلت عليك كتابا لا ينزل بعده مني كتاب ينسخه كالكتب التي قبله وقد ضرب الله مثل القرآن بالماء، فقال: {أنزل من السماء ماء}.
وثالثها: أنه ضرب المثل في الإبطال والإفناء بالماء؛ لأنه من أقوى الأسباب في هذا الباب، أي: لا تبطله حجة تبطل بمثلها الأشياء.
وقد يستعمل الغسل في معنى الإبطال والإدحاض. قال الشاعر:
سأغسل عني العار بالسيف جالبا ... على قضاء الله ما كان جالبا
ورابعها: أنه لا يبطله غسل، ولا يفنيه، وإن غسل بالماؤ.
وكل هذه الوجوه مذكور في كتب أهل العلم، وأسدها وأشبهها بنسق القول الوجه الأول.
قلت: ويحتمل وجها آخر وهو أن يقال: أراد به غزارته وكثرة فوائده، فإن الواصف إذا وصف مال الرجل بالوفور والدثور قال: عنده مال لا يفنيه الماء والنار.
وفيه: (يقرؤه نائما [ويقظان]) قيل: تجمعه حفظا وأنت نائم، كما تجمعه حفظا وأنت يقظان. وقيل: أراد يقرؤه في يسر وسهولة ظاهرا، يقال للرجل إذا كان قادرا على الشيء ماهرا به: هو يفعله نائما. وهذا أولى الوجهين بالتقديم.
ويجوز أن يحمل على ظاهره، فإن الرجل إذا [١٧١/ب] كان شديد العناية تقول: غلب ذلك على مصورات خياله، ويسبق ذهنه إليه في نومه، كما يسبق إليه في يقظته، فيتلفظ بذلك وهو نائم لشدة عنايته بتحفظه ودراسته.
وفيه: (وإن الله أمرني أن أحرق قريشا) يريد: أمرني أن أهلكهم، والإحراق يرد بمعنى الإهلاك.
ومنه الحديث: (أحرقتنا نبال ثقيف).
وفي حديث المظاهر: (احترقت) وفي رواية (هلكت).
وفيه: (فقلت رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة).
يثغلوا: أي يشدخوا. وقيل: الثلغ فضخك الشيء الرطب بالشيء اليابس حتى ينشدخ.
قلت: ومعنى قوله: (فيدعوه خبزة) أي: يتركوه بالشدخ بعد الشكل الكروي مصفحا مثل خبزة.