للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-فعلمنا بذلك أن قوله: أول أشراط الساعة لم يصدر مصدر الإطلاق، بل في أشراط مخصوصة تقرب من زمان الوقوع.

ويحتمل أنه أراد بالنار التي تحشر الناس من المشرق الى المغرب فتنة الترك، فإن الفتنة إذا عظمت وعمت وأسرعت في الناس، كانت أشبه شيء بالحريق، لا سيما وقد كان التحريق معظم ما استعانوا به على التخريب، ولا اختلاف بين الحديثين على هذا التأويل.

فإن قيل: أنى يستقيم لك هذا التأويل وفي حديث أبي سريحة حذيفة بن أسيد في ذكر الآيات العشر، (وآخر ذلك نار تخرج من اليمن) وفي رواية: (من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر؟).

قلنا لم يذكر في حديث أبي هريرة أن تلك النار تخرج من اليمن أو من قعر عدن، حتى يلزم من الأول] ١٧٨/أ [والآخر تضاد، فنذهب في حديث أبي هريرة إذا إلى ما ذهبنا ونذهب في حديث أبي سريحة إلى ما يقتضيه ظاهر اللفظ حتى لا يختلف الحديثان اختلاف تباين وتناقض، والأحاديث إذا صحت ووجد في ظواهرها اختلاف فلابد أن يؤول كل منها على وجه لا يلزم منه تباين وتناقض، فقد قدس كلام النبوة عن مقاربة أو وهم ومقاربة شك، اللهم إما أن يكون في حديث أخطأ فيه سمع يعض الرواة، فنقل فيه أول مكان آخر.

(ومن الحسان)

] ٤٠٨٠ [حديث أنس -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان ..) الحديث.

يحمل ذلك على قلة بركة الزمان وذهاب فائدته، أو على أن الناس لكثرة اهتمامهم بما دهمهم من النوازل والمشيبات شغل قلبهم بالفتن العظام، لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم فإن قيل: العرب تستعمل قصر الأيام والليالي في المسرات وطولها في المكاره.

قلنا: المعنى الذي يذهبون اليه في القصر والطول مفارق للمعنى الذي نذهب اليه، فإن ذلك يرجع الى تمني الإطالة للرخاء وإلى تمني القصر للشدة.

والذي نذهب إليه راجع الى زوال الإحساس بما يمر عليهم من الزمان؛ لشدة ما هم فيه، وذلك أيضاً صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>