وأما تسميته بالدجال، فلأنه خداع ملبس، والدجال الخلط، ويقال الطلى والتغطية.
ومنه البعير المدجل، أي المهنوء بالقطران. ودجلة نهر بغداد، وسميت بذلك لأنها تغطي الأرض بمائها.
وهذا المعنى قيل أيضا في الدجال، أي يغطي الرض بكثرة اتباعه، وقيل لأنه مطموس العين، من قولهم دجل الأثر: إذا عفى ودرس فلم يوجد منه شيء. وقيل دجل أي: كذب، والدجال] ١٧٩/أ [الكذاب.
قلت ولم أجد دجل أي: كذب إلا في كتب اصحاب الحديث، ولم أطلع على أصل له من اللغة العربية، فإن صح فالظاهر أنهم عبروا به عن الكذب؛ لأن الدجال أكذب الناس، فلا يستقيم إذا أن نفسر الأصل بالكلمة المستعارة منه، ويدل على ما نبهنا عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (دجالون كذابون) فإن ذلك وارد مورد الوصف لا مورد التفسير. وأقوم الوجوه وأعرقها ما قدمناه أنه الخداع الملبس.
وقوله:(عنبة طافية) قيل: الطافية من العنب التي خرجت عن حد بنية أخواتها، وتناءت وظهرت، ومنه الطافي من السمك.
ورواه بعضهم بالهمز بعد الفاء. وقد أنكر عليه.
وقد ذكر صاحب كتاب مطالع الأنوار أن لا وجه للإنكار عليه، إذ قد روي أنه ممسموح العين ومطموس العين، وروي أنها ليست بحجراء، ولا ناتئة، وهذه صفة العين إذا سال ماؤها فتشنجت وطفيت.
قلت: وهذا الذي ذكره كلام موجه، غير أن من أنكر أنما أنكر ورود الرواية به، وقد أصاب.
قلت: وفي الأحاديث التي وردت في وصف الدجال وما يكون منه كلمات نافرة يشكل التوفيق بينها، ونحن نسأل الله التوفيق في التوفيق بينها، وسنبين كلا منها على حدته في الحديث الذي ذكر فيه أو تعلق به، ففي هذا الحديث أنها طافية على ما ذكرنا، وفي آخر: أنه جاحظ العين كأنه كوكب، وفي آخر أنها ليست بناتئة ولا حجراء, والسبيل في التوفيق بينها أ، نقول: أنما أختلف الوصفان بحسب اختلاف العينين، ويؤيد ذلك ما في حديث ابن عمر هذا أنه أعور عين اليسرى، ووجه الجمع بين هذه الأوصاف المتنافرة أن يقدر فيها