والآخر: بيان الخبزة التي يهيئها الله سبحانه نزلا لأهل الجنة، وبيان عظم مقدارها إبداعا واختراعا من القادر الحكيم الذي لا يعجزه أمر ولا يعوزه شيء.
] ٤١٦٠ [ومنه حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- (يحشر الناس على ثلاث طرائق ...) الحديث.
قال الخطابي: الحشر المذكور في هذا الحديث إنما يكون قبل قيام الساعة؛ يحشر الناس أحياء إلى الشام.
فأما الحشر الذي يكون بعد البعث من القبور، فإنه على خلاف هذه الصورة من ركوب الإبل والمعاقبة عليها إنما هو على ما ورد في الحديث:(إنهم يبعثون حفاة عراة)، ففسر ثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، على أنهم يعقبون البعير الواحد يركب بعضهم، ويمشي بعضهم عقبة بينهم، ثم قال: وقد قيل: إن هذا الحشر دون البعث، فليس إذا بين الحديثين تدافع ولا تضاد.
قلت: قول من يحمل الحشر على الحشر الذي هو بعد البعث من القبور أسد وأقوى وأشبه بسياق الحديث من وجوه:
أحدها أن الحشر على الإطلاق في متعارف الشرع لا يراد منه إلا الحشر الذي بعد قيام الساعة، إلا أن يخص بنوع من الدليل، ولم نجده ها هنا.
والآخر أن التقسيم الذي ذكر في هذا الحديث] ١٨٥/ب [لا يستقيم في الحشر إلى أرض الشام؛ لأن المهاجر إليها لابد أن يكون راغبا راهبا، أو راغبا راهبا، فأما أن يكون راغبا راهبا، ويكون هذه طريقة واحدة، لا ثاني لها من جنسها فلا.
والثالث: أن حشر بقية الطائفتين على ما ذكره في هذا الحديث إلى أرض الشام والتزازها بهم، حتى لا يفارقهم في مقيل ولا مبيت، ولا صباح ولا مساء، قول لم يرد به التوقيف ولم يكن لنا أن نقول: بتسليط النار على أولى الشقوة في هذه الدار من غير توقيف.
والرابع: وهو أقوى الدلائل وأوثقها ما روى عن أبي هريرة أيضا، وهو في الحسان في هذا الباب:(يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف ...) الحديث.
وأما ما ذكر من بعث الناس حفاة عراة، فلا تضاد بين القضيتين، ووجه التوفيق بينهما، وإن ذكر عن غيره بالتوفيق بين الحالتين، أعني حالة البعث من المنشر، وحالة السوق إلى المحشر، فهو مستغنى عنه بما هو أظهر منه، وهو أن بعث الناس حفاة عراة لا ينافي كونهم ركبانا.