للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المثقال ما يوزن به، وهو من الثقل، وذلك اسم لكل سنج، ومعنى قوله: (مثقال ذرة)، أي: وزنها والمثقال إذا أطلق فإنما يراد منه السنج المعبر به عن الدينار.

وقد اختلف أقاويل العلماء في تأويله على حسب اختلافهم في أصل الإيمان.

وأرى التأويل المستقيم فيه أن نقول: أراد هاهنا بالجزر الذي ذكره: حصة المؤمن من الرغبة أو الرهبة الباعث له على العمل لوجه الله. ألا ترى أنه ذكر في آخر تارات المناقصة: (ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله)، ولا يجوز أن يكون هذا القائل غير موحد، فعلمنا أن ما قدر قبل ذلك بمثقال شعيرة، ثم بمثقال حبة أو خردل غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق والإقرار، بل هو ما يوجد في القلوب من ثمرة الإيمان.

ومن الدليل أيضاً على ذلك أن هذا الحديث رواه البخاري عن أنس على ما في كتاب المصابيح ورواه أيضاً عن أنس- رضي الله عنه- وفي روايته: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة).

وقد رواه أبو سعيد الخدري، وفي روايته: (مثقال ذرة إيمان). أخرجه البخاري في كتابه.

وفي كتاب مسلم من رواية أبي سعيد: (فيقول ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه) ثم ذكر (نصف دينار من خير) ثم ذكر (مثقال ذرة من خير) فلما وجدنا الحديثين قد روى عن كل واحد من الصحابيين على اختلاف اللفظين: الخير والإيمان حملنا الأمر فيهما على أن الصحابيين رويا ذلك بالمعنى [١٨٩/ب] أو روى عنهما بالمعنى، فوضع الإيمان موضع الخير؛ لأنه من فوائد الإيمان ولوازمه. فإن قيل: فلم لم تقدروه على العكس؟

قلنا: لما ذكرنا من متن الحديث أنه ذكر في آخر تلك التارات أنه يقول: (ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله) فعلمنا أن الأمر المقدر بالشعيرة والبرة والذرة والحبة والخردلة غير الشيء الذي هو حقيقة الإيمان، حتى لا يكون الرجل مؤمناً إلى بوجدان ذلك منه، وهو التصديق والإقرار.

ثم إن حقيقة الإيمان التي لا يكون المكلف في حكم المؤمنين إلا بوجدان ذلك منه لا يصح أن تدخله التجزئة والتبعيض، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>