أن الأمانة والرحم لعظم شأنهما وفخامة ما يلزم العباد من رعاية حقهما يمثلان هنالك الأمين والخائن، والواصل والقاطع، فيحاجان عن المحق، ويشهدان على المبطل.
[٤١٩٦] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (فيقول الله شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين).
فإن قيل: فكيف التوفيق بين قوله: (ليس لك ذلك)، وبين حديث أبي هريرة الذي يتلو هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله)؟.
قلنا: لو حمل الحديث على أنا لسنا نفعل ذلك لأجلك فإن الشفاعة باقية على حالها، ولو حمل على أن ذلك ليس إليك فالوجه فيه أن نقول: الشفاعة توجد على طرق شتى ومقامات مختلفة، فمنها الشفاعة في المحشر، حيث يطول بهم القيام، وهو مخصوصة به شاملة لعموم أهل الإيمان من سائر أهل الملل. ومنها: الشفاعة عند ورود الحوض.
ومنها: الشفاعة عند اختلاف السبيلين، والشفاعة عند الجواز على الصراط، والشفاعة بعد دخول المشفوع له النار، والشفاعة عند الإخراج منها، والشفاعة بعده لطلب المزيد من رحمة الله وفضله. والنوع الذي يمنع منه في هذا الحديث الشفاعة في إخراج من لم يعمل خيراً قط. وبقية الأنواع مبقاة على حالها، فلا تنافي إذا بين الحديثين، ويشكل [١٩٠/أ] من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أسعد الناس بشفاعتي) إذ لم نجد للشفاعة مساغاً في غير أهل الكلمة، فلم يجز لنا أن نقول: سعد بها غيرهم، وكانوا هم أسعد الناس بها، والوجه فيه أن نقول: نزل السعيد منهم منزلة الأسعد، كما تقول لغني بين أقوام محاويج هو أغنى القوم، وإن لم يكن فيهم غني غيره.
وإن أراد شفاعتي لا يسعد بها إلا الذي قال: لا إله غلا الله صدقاً من قلبه: أو نقول: أراد بمن قال: لا إله إلا الله من لم توجد له سابقة، ولم تخلص له فضيلة، فيستحق بذلك الرحمة والشفاعة غير هذه الكلمة التي أتي بها مخلصاً من قلبه فصار هو أسعد بشفاعته من الذين سعدوا بها من ذوي الفضيلة والوسيلة؛ وذلك لأن الذي يستحق دخول الجنة بحسن الطاعة لا ضرورة به أن يشفع له في إنالة الفضل إياه، ورفع