قلت: إنما ضرب المثل بالحثيات؛ لأن من شأن المعطي إذا استزيد أن يحثى بكفيه من غير حساب، وربما ناوله ملء كف، وإنما لم يجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر بمثل كلام عمر- رضي الله عنهما- لأنه وجد للتارات في ذلك مدخلاً فإن الله ينجي خلقه من عذابه بشفاعة الشافعين الفوج بعد الفوج، والقبيل بعد القبيل، ثم يخلص من قصر عنه شفاعة الشافعين بفضله ورحمته، وهو الذين سلم لهم الإيمان، ولم يعملوا خيراً قط، على ما مر في الحديث.
[٤٢٢١] ومنه حديث ابن مسعود- رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يرد الناس النار ثم يصدرون منها بأعمالهم ...) الحديث.
الورود: أصله قصد الماء، ثم يستعمل في غيره، والمراد منه هاهنا الجواز على جسر جهنم، وقد بينه بما بعده، (وأولهم كلمح البرق) إلى تمام الحديث.
وإنما سماه وروداً؛ لأن المارة على الصراط يشاهدون النار ويحضرونها.
تقول: وردت ماء كذا، إذا حضرته وإن لم تشرع فيه، وعلى هذا الوجه يأول قوله- سبحانه-: {وإن منكم إلا واردها} لا معدل عنه لما شهد له الحديث بالصحة.