للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض) كان الله ولم يكن قبله شيء: فصل مستقل بنفسه لا بالفصل الثاني، وهو قوله: (وكان عرشه على الماء) لما بين الفصلين من المنافاة فإنك إذا جعلت: (وكان عرشه على الماء) من تمام القول الأول، فقد ناقضت الأول بالثاني: لأن القديم من لم يسبقه شيء، ولم يعارضه في الأولية، وقد أشار بقوله: (وكان عرشه على الماء)، إلى أنهما كانا مبدأ التكوين، وأنهما كانا مخلوقين قبل السموات والأرض، ولم يكن تحت العرش قبل السموات والأرض إلا الماء، وكيفما كان، فالله سبحانه خالق ذلك كله وممسكه بقوته وقدرته. وقوله: (وكتب في الذكر) أي: أثبت جميع ما هو كائن في اللوح المحفوظ.

[٤٢٩٦] ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله كتب كتاباً ..) الحديث. يحتمل أن يكون المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، ويكون معنى قوله: (فهو عنده) أي فعلم ذلك عنده. ويحتمل أن يكون المراد منه القضاء الذي قضاه. وعلى الوجهين، فإن قوله: (فهو عنده فوق العرش) تنبيه على كينونته مكنوناً عن سائر الخلائق، مرفوعاً عن حيز الإدراك، ولا تعلق لهذا القول بما يقع في النفوس من التصورات- تعالى الله عن صفات الحدثان، فإنه هو البائن عن جميع خلقه، المتسلط على كل شيء بقهره وقدرته.

قلت: وفي سبق الرحمة بيان أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب، وأنها تنالهم من غير استحقاق، وأن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق، ألا يرى أنها تشمل الإنسان جنيناً ورضيعاً وفطيماً وناشئاً، من غير أن صدر منه طاعة استوجب بها ذلك، ولا يلحقه الغضب إلا بما يصدر عنه من المخالفات {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} فله الحمد على ما ساق إلينا من النعم قبل استحقاقها.

<<  <  ج: ص:  >  >>