للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: إنما سماها كذبات وإن كانت من جملة المعاريض-لعلو شأنهم عن الكناية بالحق، فيقع ذلك موقع الكذب عن غيرهم، وكذلك حكاه عن إبراهيم عليه السلام فيما يقوله يوم يسأل الشفاعة: فيقول: إني قد كذبت ثلاث كذبات (نفسي نفسي) وقوله: (في ذات الله) أي: فيما يختص به ولم يكن لإبراهيم نفسه فيه أرب، وقد ذكرنا معنى الذات فيما تقدم من الكتاب.

وفيه: (إن علم أنك امرأتي يغلبني عليك) وجه هذا القول- والله أعلم- أن ذلك الجبار كان من أمره الذي يتدين به في أحكام السياسة، أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج، يرى أنها إذا اختارت الزوج، فليس لها أن تمتنع من السلطان، بل يكون هو أحق بها من زوجها، فأما اللاتي لا أزواج لهن، فلا سبيل عليهم إلا إذا رضين. هذا هو الوجه الذي يقتضيه لفظ الحديث.

وفيه: (فغط حتى ركض برجله) الغط: الضغط الشديد وهو هاهنا بمعنى الخنق، أي: أخذ بمجاري نفسه، حتى سمع له غطيط.

وفيه: (إنما أتيتني بشيطان) أراد به المتمرد من الجن، وكانوا يهابون الجن ويعظمون أمرهم.

وفيه: (فأما بيده: مهيم) جعل لفظة مهيم مفسرة للإيماء، وليست بترجمة لقوله، فإن قيل: أولم يكن الكلام في الصلاة مباحاً في أول الإسلام، فما ينكر أن يكون في ملة إبراهيم على ما كان عليه من أول الإسلام؟

قلنا: لم نذهب إلى ما ذهبنا إليه اتكالاً على تحريم الكلام، فإنه شيء لم نطلع على حقيقة الأمر فيه، وإنما ذهبنا بمكن الإيماء باليد، ثم إنها لو كانت مفسرة لقوله، لكان من حقه أن يقال: فأومأ بيده، وقال: مهيم. فإن قيل: فلم لا يجوز أن يكون في الكلام حذف؟ قلنا: لا ضرورة [١٩٦/أ] بنا إلى هذا التقدير، وليس بنا حاجة بأن ندع ظاهر الكلام ونقدر ما ليس لنا به علم، و (مهيم) كلمة يمانية يستعملونها في الاستفهام، ومعناها: مالك، وما شأنك.

وفيه: (فتلك أمكم يا بني ماء السماء)، قال الخطابي: أراد بها العرب، لأنهم يبتغون مواقع القطر، ويتعيشون منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>