للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله في يوسف- عليه السلام- فإنه منبئ عن إحماده صبر [١٩٦/ب] يوسف، وتركه الاستعجال بالخروج من السجن مع امتداد مدة الحبس عليه، وأراه محتملاً لوجه آخر، هو: أنه رأى الكمال في الاسترسال مع الله على ما يأتي به عبده، ويوسف- عليه السلام- إنما لبث في السجن بضع سنين، لأنه ابتغى الفرج عما هو فيه باللجؤ إلى العبيد، وكان الأولى بحاله أن لا يشكون ضره إلا إلى مولاه، ولا يتلقى الفرج قبل مجيئه، بل ينتظره بالصبر، ولا يعارض ما تيسر من الغيب بأمر من عنده، فأشار إلى أنه لو كان هو مكانه لتلقى الدعوة من الغيب الإجابة، وهذا تأويل سلكت فيه مسلك علمائنا من الصوفية قدس الله أرواحهم- ثم إن في ضمن هذا الحديث تنبيه على أن الأنبياء- عليهم السلام- وأن كانوا من الله بمكان لا ينازلهم فيه أحد، فإنهم بشر، يطرأ عليهم من الأحوال ما يطرأ على البشر، فلا تعدوا ذلك منقصة، ولا تحسبوه مسبة.

[٤٣٠٦] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه-: (إن بالحجر لندباً) أي: أثراً، وهو بالتحريك، والأصل فيه أثر الجرح، إذ لم يرتفع عن الجلد. والندب أيضاً: الخطر.

[٤٣٠٧] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديثه أيضاً: (لا تخيروني على موسى) أي: لا تفضلوني عليه. قول قاله على سبيل التواضع أولاً، ثم ليردع الأمة عن التخيير بين أنبياء الله من تلقاء أنفسهم ثانياً، فإن ذلك يفضي بهم إلى العصبية، فينتهز الشيطان منهم عند ذلك فرصة، فيدعوهم إلى الإفراط والتفريط، فيطرون الفاضل فوق حقه، ويبخسون المفضول حقه، فيقعون في مهواة الغي، ولهذا قال: (لا تخيروا بين الأنبياء)

<<  <  ج: ص:  >  >>