وفيه (ثم جهدها) بفتح الهاء أي: جامعها على قول ابن الأعرابي؛ لأنه قال الجهد من أسماء النكاح وقيل حفزها ودفعها، وأرى أصل الكلمة من الجهد الذي هو الجد في الأمر وبلوغ الغاية؛ لأن إذا انتهى الأمر به إلى ذلك فقد جد وبلغ الغاية، وإنما عبر عنه بهذا اللفظ المبهم؛ لأنه كان يتنزه عن التفوه بما يفحش ذكره صريحا ما وجد إلى الكناية سبيلا، إلا في صورة تدعو الضرورة إلى التصريح على ما ذكر في حديث ما عز ابن مالك وغيره لتعلق الحد بذلك، وقد اعتمد في هذا الحديث على فهم المخاطبين فعبر عنه بالجهد، والمراد منه: التقاء الختانين عرفنا ذلك بحديث عائشة- رضي الله عنها- حيث سألها أبو موسى الأشعري- رضي الله عنه- عن ذلك فقالت: على الخبير سقطت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل) وهو حديث صحيح.
ومنه حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(الماء من الماء) أحد الماءين هو المني والآخر هو الغسول الذي يغتسل به أي وجوب الاغتسال بالماء من أجل خروج الماء الدافق، وقد صح أنه منسوخ، ومن جملة الأحاديث التي تصرح وتحكم بنسخ هذا الحديث حديث أبي بن كعب- رضي الله عنه- هو أنه قال: إن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال منه.
قلت: والذي ذكره المؤلف عن ابن عباس أن الماء من الماء في الاحتلام، فإن قول قاله ابن عباس من طريق التأويل والاحتمال، ولو انتهى الحديث بطول إليه لم يكن ليأوله هذا التأويل [٥١/أ]، وذلك أن أبا سعيد الخدري قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كان في بني سالم وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على باب عتبان فصرخ به فخرج يجر إزاره فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أعجلنا الرجل) فقال عتبان: يا رسول الله أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الماء من الماء) وهو حديث صحيح أخرجه مسلم في كتابه.
[٢٧٨] ومن حديث أم سلمة- رضي الله عنها- قالت أم سليم: يا رسول الله إن الله لا يستحى من الحق ... الحديث. أي لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيى منا، وإنما قدمت هذا الكلام بين يدي حاجتها على وجه الاعتذار عن تصريحها بما تنقبض عنه النفوس البشرية وتتوقى عن ذكرها سيما بحضرة الرسالة، والمعنى أن الله بين لنا أن الحق ليس من جملة ما يستحيا منه، وحثنا على الاستفادة بذكره وترك التنزه