عنه، وسؤالها هذا كان من الحق الذي ألجأتها الضرورة إلى السؤال عنه، وكانت عائشة رضي الله عناه تقول:(نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين) وأم سليم هذه بنت ملحان الأنصارية أم أنس بن مالك ويقال لها الغميصاء والرميصاء كانت من عقلاء النساء.
وفيه (نعم تربت يمينك) ترب الشيء بالكسر أصابه التراب ومنه ترب الرجل أي: افتقر كأنه لصق بالتراب يقال: تربت يداك هو في الأصل على الدعاء، أي لا أصبت خيرا، وليس المراد منه الدعاء بل هي كلمة من جملة الكلمات التي يطلقها العرب في مخاطباتهم عند التعجب والحث على الشيء والتنبيه عليه والتلزم به وغير ذلك ولا يريدون بها وقوع الأمر، وقد ذكر أبو عبيد اختلاف أهل العلم في معنى تلك الكلمات، واستشهد عليها بالشواهد والقول الجامع بين تلك المعاني أن نقول: اختلاف أقاويلهم يتعلق باختلاف مواضع الاستعمال وذلك مثل قولهم للرجل: قاتله الله ما أفطنه وما أعقله، والآخر: قاتله الله ما أخبثه، فقولهم هذا على معنى الدعاء عليه والذم له، والأول على معنى المدح والتعجب من فطنته وعقله، وذلك يقع موقع قولك: لله دره.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - (تربت يمينك) كلمة لم يرد بها الدعاء عليها وإنما خرجت مخرج التعجب من سلامة صدرها، وقد روى حديث أم سليم هذا من طريق صحيح أيضا وفيه [٥١/ب] فغطت عائشة وجهها، وذكر فيه مثل حديث أم سلمة، ووجه التوفيق بينهما أن عائشة وأم سلمة- رضي الله عنهما- حضرتا حينئذ عنده، وتكلمت كل واحدة منهما مثل كلام صاحبتها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (تربت يمينك) جوابا لمن سبق منهما القول أو لصاحبتها وحسبت كل واحدة منها أنها هي المعنية بهذا القول فنقلته على ما سمعته.
[٢٨٠] ومنه حديث ميمونة- رضي الله عنها- (وضعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - غسلا) الحديث. الغسل بضم الغين كالمغسول والمغتسل، وهو الماء الذي يغتسل به كالأكل لما يؤكل والغسل أيضا الاسم من غسلت الشيء غسلا بالفتح، والغسل الذي هو الاسم من غسلت يقال بتسكين السين وتحريكه بالضم، ووجدت كثيرا من الناس يكسرون الغين من قول ميمونة- رضي الله عنها - صلى الله عليه وسلم - غسلا وهو خطأ، وإنما الغسل بكسر الغين ما يغسل به الرأس من خطمى وغيره، وفيه (ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفيه) أفرغ أي: صب، والحفنة ملء الكفين من طعام وغيره، وقلما يستعملونها إلا في الشيء اليابس كالدقيق ونحوه، ولعلها استعملتها في الماء على طريق الاتساع وقالت ملء كفيه والحفنة لا يكون إلا ملء الكفين على وجه التأكيد، ويمكن أنها قالت: ثلاث غرفات ملء كفيه فعبر عنها بعض الرواة بما تيسر له من اللفظ.
وفيه (وهو ينفض يديه) أي يحركهما، يقال: نفضت الثوب والشجر أنفضه إذا حركته لينتفض، وليس المعنى أنه نفض يديه لينفض منهما ما بقى عليهما من الطهور، فإن ذلك منهى عنه في الوضوء