للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والغسل، وإنما أريد به في هذا الحديث تحريك اليدين في المشي كما في المعهود من مشية أولى القوة وذوي الصلابة.

[٢٨١] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي روته عائشة- رضي الله عنها- (خذي فرصة من مسك فتطهري بها) الفرصة بالكسر قطعة قطن أو خرقة تمسح بها المرأة من الحيض، وقد أشكل قوله (من مسك) فإن الفرصة لا تكون من مسك، الاحتمال أن هناك حذفا، وتقديره: مطيبة من مسك، وزعم بعضهم (من مسك) أنه بفتح الميم وليس بشيء.

وهذا الحديث وإن كان صحيحا فقد ورد أيضا في الصحاح: (فرصة ممسكة) وهذه الرواية أكثر وقد فسرها بعض أهل العلم فقال: أي مطيبة مأخوذ من المسك فكأنه [٥٢/أ] اختار ذلك للتوفيق بين اللفظين، وقد أنكر بعض أصحاب المعاني هذا التفسير وقال: متى كان المسك عندهم بالحال التي تمتهن هذا الامتهان فيستعمل في المحيض؟! وقد فسر بعضهم فقال: هو من التمسك باليد فقال القتيبي: ممسكة أي: محتملة يقول: تحملينهما معك تعالجين بها قبلك، قال: والعرب تقول مسكت كذا بمعنى: أمسكت وتمسكت، وذكر الزمخشري في كتاب الفائق أن الممسكة الخلق التي أمسكت كثيرا، كأنه أراد أن لا يستعمل الجديد للارتفاق به في الغزل وغيره، ولأن الخلق أصلح لذلك وأوفق، وهذا القول أمتن وأحسن وأشبه بصورة الحال، هذا وقد نظرنا في اختلاف اللفظين فوجدنا الرواية فيهما مسندة إلى عائشة- رضي الله عنها- ووجدنا القضية قضية واحدة والتي سألت عن ذلك أسماء الأنصارية ولم تنسب في الحديث، وقد عرفنا كونها من الأنصار من متن الحديث وهو أن عائشة- رضي الله عنها- قالت: (إن أسماء سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث). ثم قالت بعد سياق الحديث (نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين) وقد وجدنا هذا الحديث أيضا في مسند أسماء بنت أبي بكر فقالت (سألت امرأة عن غسلها من المحيض الحديث). ولابد وأن يكون اختلاف اللفظين في حديث واحد في قضية واحدة من بعض الرواة لروايته الحديث بالمعنى، فالظاهر أن بعض الرواة سمع (فرصة ممسكة) ففهم منه التطيب ولم يضبط اللفظ، فرواه المعنى على هذا اللفظ، وإنما نصرنا هذه الرواية لأنها أكثر، واخترنا المعنى الذي ذكرناه؛ لأنه أوجه وأقرب، ومن الدليل على صحة ذلك أن (الفرصة) في كلام العرب ما تستعمله الحائض وتمسح به الدم على ما نقلناه من كتب اللغة ثم ما في هذا الحديث من قوله (فتطهري بها) ولو كان المعنى على ما ذهبوا إليه لكان (فتطيبي بها) ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أمرها بذلك لإزالة أثر الدم عن التطهر، ولو كان لإزالة الرائحة الحاصلة من المحيض لأمر بعد إزالة أثر الدم، ثم إن هذا اللفظ أعنى: (فرصة من مسك) هو ما تقضية طرق النظم على ما ذكرناه. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>