للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه: (ثم رفعت لي سدرة المنتهى): الرفع تقريبك الشيء، وقد قيل في قوله تعالى: {وفرش مرفوعة} أي: مقربة لهم، فكأنه أراد أن سدرة المنتهى استبينت له بنعوتها كل الاستبانة، حتى اطلع عليها كل الاطلاع، بمثابة الشيء المقرب إليه. وفي معناه: (رفع لي بيت المعمور) (ورفع لي بيت المقدس).

وأضيفت السدرة إلى المنتهى؛ لأنها بمكان ينتهي دونه علم الخلائق، ولا تجاوز للملائكة والرسل منها. وقد بينا معنى ذلك فيما تقدم.

قلت: وفي بعض أحاديث المعراج: (ثم انتهى بي إلى سدرة المنتهى) وفي بعضها: (ثم انطلق بي حتى أتى سدرة المنتهى) وفيما رواه أبو سعيد الخدري من حديث المعراج: (فرفعت إلى سدرة المنتهى) والروايتان اللتان ذكرناهما قبل، وهما أكثر الروايات يؤيدان ذلك.

وفي: (فإذا نبقها مثل قلال هجر): النبق بكسر الباء حمل السدر، ويخفف أيضا، الواحدة نبقة، ونبقة، مثل كلمة. والقلة إناء للعرب كالجرة الكبيرة، وقلال هجر شبيهة بالحباب، ولما كانت الثمرة في قشرتها كالمطعوم في ظرفها ضرب مثل ثمرتها بأكبر ما كانوا يتعارفونه بينهم من الظروف. وهجر: اسم بلد، منصرف.

وفيه: (فإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران): إذ للمفاجئة، يعني فإذا أنا بأربعة أنهار. وفي غير هذا الحديث: أنها تخرج من أصل السدرة، ويحتمل أنه قال: (باطنان) لخفاء أمرهما، وفقدان النظير في الشاهد لهما فلا تعبر العبارة عن نعتهما، ولا تهتدي العقول إلى وصفهما، ويحتمل أنه [٣٠٦/] قال ذلك لأنهما مخفيان عن أنظار الناظرين فلا يريان حتى يصبا في الجنة.

وقد ذكر في هذا الحديث أن أحدهما يقال له الكوثر، والآخر نهر الرحمة. وأما الظاهران فالأوجه في هذا الحديث أنهما النهران المسميان على ما عرفا بأعيانهما، ويكون مادتهما مما يتنزل إلى السدرة من رحمة الله، ويحتمل أن تكون تسميتها بالاسمين من باب الاتساع والاستعارة، أو من باب توافق الأسماء على ما ذكرنا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (سيحان وجيحان، والنيل والفرات كل من أنهار الجنة).

وفيه: (وعالجت بني إسرائيل) أي: مارستهم ولقيت الشدة فيما أردت منهم من الطاعة. والمعالجة مثل المزاولة والمحاولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>