وفيه:(قيل: وقد أرسل إليه): ذهب بعض أهل العلم إلى أن معناه: وقد أرسل إليه للعروج، وقال: بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم - من معظمات الأمور، وجلائل الوقائع المعروفة في ملكوت السموات، فلا يجوز أن يخفى عليهم ظهورها؛ أو كلام هذا معناه.
قلت: وماذا ينكر هذا القائل أن تكون الفئة المستخبرة عن إرساله ممن شغلتهم الشواهد الغيبية وسلبتهم السوالب الربانية؛ فلم يتفرغوا لاستغرقاهم فيما بدا لهم من سبحات الجمال، ودهمهم من سطوات الجلال لما سوى ذلك. ثم إن قوله: إنهم سألوا عن الإرسال للعروج قول لم يتقدمه روية؛ إذ لا يصدر مثله عن الأدنى فالأدنى، فضلا عن الملأ الأعلى؛ إذ ليس لبشر أن يتطرق إلى العالم العلوي، ويرتقي في أسباب السموات إلا أن يؤذن له ويرسل إليه؛ ويعان في العروج بالتيسير عليه، اللهم إلا أن يحمل سؤالهم (٣٠٥) عن الإرسال إليه على معنى التعجب مما أنعم الله به على عبده، أو على معنى الاستبشار بعروجه. وأما رؤيته المذكورين من الأنبياء دون رقيه إلى كل سماء، وأمر الملك إياه بالتسليم عليهم، وأن في ذلك توقيف على تفاوت منازلهم واختلاف مراتبهم ومنازعهم، وعلى أنه أعلى رتبة، وأقوى حالا، وأتم عروجا. وأمره بالتسليم عليهم؛ لأنه كان عابرا عليهم فكان في حكم القيام، وكانوا في حكم القعود، والقائم يسلم على القاعد؛ وإن كان أفضل منهم.
ورؤيته الأنبياء في السموات وفي بيت المقدس حيث أمهم يحمل على رؤية روحانيتهم الممثلة بصورهم التي كانوا عليها؛ غير عيسى- عليه السلام-؛ فإن رؤيته محتملة للأمرين أو أحدهما، وأما ما ذكر من بكاء موسى- عليه السلام- فإنه يحمل على الرقة لقومه والشفقة عليهم؛ حيث لم ينتفعوا بمتابعته انتفاع هذه الأمة بمتابعة نبيهم. ولم يبلغ سوادهم مبلغ سوداهم. ولا يصح أن يحمل إلا على هذا الوجه، أو ما يضاهي ذلك، فإن الحد في ذلك العالم منزوع عن عوام المؤمنين فضلا عمن اختاره الله لرسالته واصطفاه لمكالمته وقوله:(لأن غلاما بعث بعدي): لم يرد بذلك استقصار شأنه، فإن الغلام قد يطلق ويراد به القوى الطري الشباب. والمراد منه استقصار مدته مع استكثار فضائله، واستتمام سواد أمته.