قلنا: قد ذكر في كتب أصحاب الحديث وكتب من تصدى للتوفيق بين المتضادات أن الحديثين ينبئان عن العروج به مرتين، تارة بروحه في المنام، ويدل عليه قوله:(كنت بين النائم واليقظان) وتارة بشخصه في اليقظة؛ ويدل عليه أيضا في حديث أبي ذر:(ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء) ولم يذكر مسراه إلى بيت المقدس. والعروج الذي كان بشخصه في اليقظة إنما كان من المسجد الأقصى. وفي حديث أبي ذر: ذكر العروج من المسجد الحرام إلى السماء؛ فإن صح لنا ذلك فلا تضاد فيه. فإن قيل: فأي الحديثين يحمل على اليقظة؟
قلنا: حديث مالك بن صعصعة؛ لما فيه من ذكر البراق وسيره به، ولم نجد للبراق ذكرا في حديث أبي ذر، وإن لم يصح لنا ذلك فالسبيل أن يعد ذلك مما غلط فيه الرواة من قبل النسيان؛ فإنهم وإن كانوا عدولا بررة، فليسوا معصومين عن النسيان، وقد رفع الله قدر نبيه عن النسيان والغلط فيما يخبر عنه من أمر الله، والكوائن الغيبية والآيات الإلاهية.
فإن قيل: والنسيان إن قدر ففي أي القضيتين يقدر؟
قلنا: يقدر في حديث أبي ذر؛ لأن الإسراء به من المسجد أكثر وأشهر، فإن قيل: وإن قدر الأمر فيهما على ما ذكرتم من العروج به مرتين تارة في المنام وتارة في اليقظة، فكيف التوفيق بين قول من روى الإسراء به من عند أم هانئ، وبين قوله:(فرج سقف بيتي).
قلنا: تكون إضافة البيت إلى نفسه من باب الاتساع، لأنه كان ساكنه، وإلى أم هانئ من طريق الحقيقة؛ لأنها كانت تملكه.
وفيه:[٣٠٧](وإذا رجل قاعد على يمينه أسودة) أي: أشخاص أو جماعات، يقال: مرت بنا أسودا من الناس وأساود وأساويد، وهم الجماعات المتفرقون، ومن السواد الأعظم، والسواد: الشخص، لأنه يرى من بعيد أسود.
[٤٤٤٢] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس و [أبا حية] الأنصاري- رضي الله عنهما-: (ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام): ظهرت أي: علوت؛ قال الله تعالى: {ومعارج عليها