يظهرون} والمستوى على مثال الملتقى: المستقر وموضع الاستعلاء، ولو قال قائل: يحتمل أن يكون بكسر الواو، ويراد به المكان المستوي الذي اعتدل في نفسه فلم يكن فيه انخفاض أو انحراف- فله وجه، لولا عدم الرواية، ثم إنه لو كان على ما ادعى، لكان من حقه أن يكتب بغير ياء بعد الواو؛ لأنها ساقطة في هذه الصيغة، وإذا رأينا الياء مثبتة في سائر الروايات فليس لنا أن نذهب إلى خلافه، وفي بعض طرق هذا الحديث:(حتى ظهرن المستوز) والمستوزي: المنتصب العالي المرتفع، وإثبات الياء في هذه الصيغة ليس بديد؛ لأن المستوزي بفتح الزاي مما لا يعرف في كلام العرب، واللام في الروايتين للعلة؛ أي علوت لاستعلاء مستوى أو لرؤيته أو لمطالعته.
ويحتمل أن يكون متعلقا بالمصدر أي: ظهر ظهورا لمستوى، ويحتمل أن يكون بمعنى إلى؛ قال الله تعالى:{بأن ربك أوحى لها} أي إليها. قال البحتري:
ظهرت لمنخرق السماك وجاوزت ... ظلل الغمام الصائب المستغرق
و (صريف الأقلام) عبارة عن الاطلاع على جريانها بالمقادير، والأصل فيه صوت البكرة عند الاستقاء، يقال: صرفت البكرة تصرف صريفا، وكذلك صريف النار وصريف ناب البعير، والمعنى: إني أقمت مقاما بلغت فيه من رفعة المحل إلى حيث اطلعت على الكوائن، وظهر لي ما يراد من أمر الله، وتدبيره في خلقه، وهذا والله هو المنتهى الذي لا تقدم لأحد عليه.
[٤٤٤٣] ومنه حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: (لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة) لا خفاء بأن بعض الرواة وهم في السادسة، وإنما الصواب في السابعة، وقد بينت في غير موضع من أحاديث المعراج أنه أتى السدرة، ورفعت له بعد العروج إلى السماء السابعة، وشهدت بذلك الروايات الصحيحة، فلابد لنا من هذا القول للتضاد الذي بين الروايتين؛ فإن قيل: وهذه الرواية أيضا صحيحة فلم نحكم بتلك الروايات على هذه؟
قلنا: لأنها أكثر، وإضافة السهو إلى الواحد أولى من إضافته إلى الجماعة، ثم إن إضافة السدرة إلى المنتهى، والبيان الذي ورد في معناه من النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ينتهي إليها) يشهدان لتلك الروايات ويوضحانها لاسيما وقد أسند القول [٣٠٨] في تلك الروايات إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -[وهاهنا أتى به] وعلى وجه الوقف على الصحابي، فإن قيل: إن الصحابي لا يقدم على الإخبار فيما سبيله التوقيف إلا وهو متحقق به متثبت في السماع منه من قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم -!