قلت: كان هذا القول من النبي - صلى الله عليه وسلم - مخرجه إلى غزوة تبوك، وقد خلف عليا- رضي الله عنه- على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه، فلما سمع به على- رضي الله عنه- أخذ سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نازل بالجرف، فقال: يا رسول الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني تستثقلني وتخفف مني، فقال: كذبوا، إنما خلفتك لما تركت وراءي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أما ترضى يا علي، أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) تأول قول الله- سبحانه-: {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي} والمستدل بهذا الحديث على أن الخلافة كانت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى على قول زائغ عن منهج الصواب، فإن الخلافة في الأهل في حياته لا تقتضي الخلافة في الأمة بعد الممات، والمقايسة التي تمسكوا بها تنقض عليهم بموت هارون قبل موسى- عليهما السلام- وإنما يستدل بهذا الحديث على قرب منزلته واختصاصه بالمؤاخاة من قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(ومن الحسان)
[٤٦٢٢] حديث زيد بن أرقم- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من كنت مولاه فعلى مولاه) المولى ينصرف من وجوه: يستعمل في ابن العم، قال الله تعالى- {وإني خفت الموالي من ورائي}، وفي المعتق، ومصدره الولاية. وفي المعتق، ومصدره الولاء. وفي المحب وفي الجار وفي الناصر وفي الصديق وفي المأوى وفي الذي يسلم على يدي رجل، وفي المولاة. والأصل في الجميع القرب.
وقد اختلف أقاويل أهل التأويل في هذا الحديث [فمنهم: من] كنت أتولاه فعلى يتولاه. وقيل: من كان يتولاني فعلى يتولاه وقيل: كان سبب ذلك أن أسامة بن زيد قال لعلي- رضي الله عنه-: لست مولاي، إنما مولاي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ونقل عن