الشافعي- رحمة الله عليه- أنه قال: أراد بذلك ولاء الإسلام. قال الله تعالى:{ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا}.
[٤٦٢٣] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث حبشي بن جنادة- رضي الله عنه- (ولا يؤدى عني إلا أنا أو علي).
قلت: كان من دأب العرب إذا كان بينهم مقاولة في نقض وإبرام وصلح ونبذ عهد ألا يؤدى ذلك إلا سيد القوم، أو من يليه من ذوي قرابته القريبة، ولا يقبلون ممن سواهم، ولما كان العام الذي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر- رضي الله عنه- أن يحج بالناس، رأى بعد خروجه أن يبعث عليا- رضي الله عنه- خلفه لينبذ إلى المشركين عهدهم ويقرأ عليهم سورة (براءة) وفيها: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} إلى غير ذلك من الأحكام، فقال قوله هذا تكريما له بذلك، فلما حصر الموسم بعث معه أبو بكر- رضي الله عنه- أبا هريرة في آخرين، ليبلغ علي- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وينادى به المبعوثون معه في الناس.
[٤٦٢٥] ومنه حديث أنس- رضي الله عنه-: (كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - طير ... الحديث).
قلت: نحن وإن كنا لا نجهل- بحمد الله- فضل علي- رضي الله عنه- وقدمه وبلاءه وسوابقه في الإسلام واختصاصه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقرابته القريبة، ومؤاخاته إياه في الدين، ونتمسك من حبه بأقوى وأولى ما يدعيه الغالون فيه، فلسنا نرى أن نضرب عن تقدير أمثال هذه الأحاديث في نصابها صفحا، لما نخشى فيها من تحريف الغالين، وتأوييل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وهذا باب أمرنا بمحافظته، وحمى أمرنا بالذب عنه، فحقيق علينا أن ننصر فيه الحق، ونقدم فيه الصدق، وهذا حديث يريش به المبتدع سهامه، ويوصل [٣٣٨] به المنتحل جناحه، فيتخذه ذريعة إلى الطعن في خلافة أبي بكر- رضي الله عنه- التي هي أول حكم أجمع عليه المسلمون في هذه الأمة، وأقوم عماد أقيم به الدين، بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
-فنقول- وبالله التوفيق: هذا الحديث لا يقاوم ما أوجب تقديم أبي بكر والقول بخيريته من الأخبار الصحاح، منضما إليها إجماع الصحابة، لمكان سنده، فإن فيه لأهل النقل مقالا، ولا يجوز حمل أمثاله على ما يخالف الإجماع، ولاسيما الصحابي الذي يرويه ممن دخل في هذا الإجماع، واستقام عليه مدة