للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمره، ولم ينقل عنه خلافه، فلو كتب عنه هذا الحديث، فالسبيل أن يأول على وجه لا ينتقض عليه ما اعتقده، ولا يخالف ما هو أصح منه متنا وإسنادا، وهو أن يقال: يحمل قوله: (بأحب خلقك) على أن المراد منه، أئتنى بمن هو من أحب خلقتك إليك، فيشاركه فيه غيره، وهم المفضلون بإجماع الأمة، وعلى هذا مثل قولهم: فلان أعقل الناس وأفضلهم. أي: من أعقلهم وأفضلهم، ومما يبين لك أن حمله على العموم غير جائز، هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - من جملة خلق الله، ولا جائز أن يكون على أحب إلى الله منه.

فإن قيل: ذلك شيء عرف بأصل الشرع؛ قلنا: والذي نحن فيه عرف أيضا بالنصوص الصحيحة وإجماع الأمة، فيأول هذا الحديث على الوجه الذي ذكرناه، أو على أنه أراد به: أحب خلقه إليه من بنى عمه وذويه، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلق القول وهو يريد تقييده، ويعم به وهو يريد تخصيصه، فيعرفه ذو الفهم، بالنظر إلى الحال أو الوقت، أو الأمر الذي هو فيه.

[٣٦٢٩] ومنه حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا علي، ليس لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك) هذا الحديث رواه الترمذي في جامعه عن علي بن المنذر، عن ابن فضيل ثم ذر بعد سياق الحديث عن علي بن المنذر، أنه قال: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك.

قلت: لم يستصعب علينا حديث مما تعنينا بشرحه من أحاديث هذا الكتاب استصعاب هذا الحديث؛ لأن المعنى إنما يستخرج من اللفظ، والحديث المشكل إنما يعرف بنظائره، وهذا حديث لا ينبئ لفظه عما روى من معناه، ولم يعرف له نظير في الأحاديث فيراجع فل حل مشكله إليه.

وهذا الذي نقله الترمذي عن ابن المنذر، عن ضار بن صرد قول لا يستقيم على اللهجة العربية، فإن المفهوم من قوله: (لا يجنب في هذا المسجد) لا تصيب الجنابة، ولم يسمع في معناه: لا يستطرقه جنبا، وإن كان عول في هذا الاستنباط على قوله سبحانه: {ولا جنبا إلا عابري سبيل} مع ما فيه من الخلاف، فما

<<  <  ج: ص:  >  >>