للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: يحتمل أنهما كانا لا يجدان سوى المسجد ممرا، وغيرهما- وإن كان له باب إلى المسجد- فإنه كان يجد ممرا سواه.

قلنا: سبيل ذلك النقل، وقد ذكرنا أنه لم يرد به نقل يعتد به، ثم إنا تدبرنا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في بناء المسجد وبناء حجرات أمهات المؤمنين، ومنازل بناته بجنب المسجد، بعد أن بني المسجد، فرأينا أن ممر تلك الدور التي بنيت بجنب المسجد له أو لغيره، مما كان قبل بناء المسجد أو بعده لا يخلو من أمور ثلاثة: إما أن كان لتلك الدور التي ألزقت بالمسجد قبل بناء المسجد ممر، فبقى على حاله؛ لأنه مع تعلق حق أحد به لا يصير مسجدا.

ولم يكن هناك قبل البناء ممر، فاستثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل جعل الحائط مسجدا، ممرا لنفسه ولغيره، فالمنهج فيه لا يكون متعرضا لشيء من حرمة، فإنه يعبر في سبيل اكتنف المسجد بكنفيه.

أو لم يكن لها حق ممر، ولم يفرز لها ممل قبل جعل الأرض مسجدا، فهذا مما لا يجوز أن يستطرق، سواء كان المستطرق جنبا أو غير جنب؛ لأنه مسجد، وليس لأحد أن يتخذ من بيوت الله ما ليس له بحق. فتبين لنا من هذه التقسيمات الثلاث أن الذي يذهب في هذا الحديث إلى أنه كان يستطرق المسجد جنبا ذهب إلى قول ظاهر الفساد، اللهم إلا أن يقدر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل لنفسه ممرا في الأرض التي كان يريد أن يتخذها مسجدا ولبيت فاطمة- رضي الله عنها- مستثنى من جملة المسجد، ولم يكن لغيرهما ذلك، فلهذا قال: غيري وغيرك، والحديث حينئذ يكون حجة على من يجوز عبور الجنب في المسجد، لا له، ويكون قوله: (في هذا المسجد) على الاتساع لكون الممر متصلا بالمسجد من طرفيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>