[٣٧٥] ومنه: حديث جابر- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) معنى هذا القول أن العبد إذا ترك الصلاة لم يبق بينه وبين الكفر فاصلة فعلية تؤنس منه؛ لأن إقامة الصلاة هي الخلة الفارقة بين الفيئين والحكم الحاجز بين الأمرين وإذا لم يكن بين المنزلتين منزلة أخرى والتهاون بحفظ حد الشرع كاد أن يفضى بصاحبه إلى حد الكفر عبر عنه بارتفاع البنيونة وقد علمنا بأصل الشرع أن المراد منه المقاربة والمداناة من الكفر لا الدخول فيه.
(ومن الحسان)
[٣٧٦] قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- (كان له على الله عهد) العهد: حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال ومنه سمي الموثق الذي يلزم العباد مراعاته عهدا وعهد الله ما أوصاهم بحفظه فلا يسعهم إضاعته ثم سمي ما كان من الله تعالى على طريق المجازاة لعباده عهدا على نهج الاتساع؛ لأنه وجد في مقابلة عهده على العباد ولأن الله تعالى وعد القائمين بحفظ عهده أن لا يعذبهم وهو بإنجاز وعده ضمين وبأن لا يخلفه حقيق فسمي وعده عهدا؛ لأنه أوثق من كل عهد.
[٣٧٩] ومنه: حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ... الحديث) الضمير في قولهم (وبينهم) راجع إلى المنافقين وردت به الرواية ومعناه أن الصلاة هي الموجبة لحقن دمائهم ومراعاة ذمتهم فإذا تركوها برئت عنهم الذمة ودخلوا في حكم الكفار فنرى سفك دمائهم كما نرى سفك دماء من لا عهد له من الكفار ولا أمان أشار إلى أن المانع عن قتل المنافقين هي الصلاة، فإذا ارتفع المانع رجع الحكم إلى أصله كما أن المانع عن قتل المعاهدين هو العهد فإذا انقضى العهد الذي بيننا وبينهم أو أخل به النقض من قبلهم أبيحت لنا دماؤهم، وقيد هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - لما استؤذن في قتل المنافقين:(إلا إني نهيت عن قتل المصلين) والله أعلم.