وقد أورد الطبراني هذا الحديث في (كتابه)؛ فرواه- بإسناده- عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال:(احتبس علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الغداة حتى كادت الشمس تطلع، فلما صلى الغداة، قال: إني صليت الليلة ما قضي لي، ووضعت جنبي في المسجد، فأتاني ربي في أحسن صورة ... الحديث).
ورواه أبو عبد الله أحمد في (مسنده) عن أبي سعيد مولى بني هاشم، عن جهضم اليماني، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، (عن أبي سلام)، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، عن مالك بن يخامر؛ أن معاذ بن جبل قال:(احتبس علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس؛ فخرج سريعا، فثوب بالصلاة، وصلى، وتجوز في صلاته، فلما سلم قال: كما أنتم على مصافكم، كما أنتم! ثم أقبل علينا، فقال: إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة؛ إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي، حتى استيقظت فإذا أنا بربي- عز وجل- في أحسن صورة ...) وساق الحديث.
وأصح طرق هذا الحديث: ما رواه أبو عبد الله في (مسنده).
وإذ قد بينا أن الحديث يتعلق بحال أريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رؤيا منام- فالآن نأخذ في بيانه على مقدار فهمنا، ومبلغ علمنا.
ونقول- قبل البيان: مذهب أكثر أهل العلم من السلف في أمثال هذا الحديث- إذا صح- أن يؤمن بظاهره، ولا يفسر بما يفسر به صفات الخلق، بل تنقى عنه الكيفية، ويوكل علم باطنه إلى الله سبحانه، يرى رسوله ما يشاء من وراء أستار الغيب مما لا سبيل [٧٣/أ] لأحد إلى إدراك حقيقته بالجد والاجتهاد، فالأولى: ألا نتجاوز هذا الحد؛ فإن الخطب فيه جليل، والإقدام على مزلة اضطربت عليها أقدام الراسخين شديد، ولأن نرى أنفسنا أحقاء بالجهل والنقصان أزكى وأسلم من أن ننظر إليها بعين الكمال، وهذا- لعمر الله! - هو المنهج الأقوم، والمذهب الأحوط!
غير أن في زماننا هذا: اتسع الخرق على الراقع إذ كانت نعرة الخلاف في رءوس أكثر أبناء الزمان جملتهم، داعية الفتن المستكنة في نفوسهم على الخوض في هذه الغمرة، حتى لو ذكر لهم مذهب السلف، سارعوا إليه بالطعن، وقابلوه بالإنكار والاستكبار؛ إذا عجزوا عن التأويل لنهوض المراد، وقصورهم في علم البلاغة أفضى بهم ذلك إلى التكذيب على وجه الرد والإنكار، حتى صار العدول عن التأويل في هذا الزمان مظنة للتهمة في العقائد، وذريعة للمضلين إلى توهين السن؛ فأدت بنا هذه القضية إلى سلوك هذا المسلك الواعر، واختيار التأويل في القسم الذي نجد للتأويل فيه مساغا، وهذا الحديث من جملته.
وقد بينا أنه ذكر ذلك عن رؤيا منام، ورؤيا الأنبياء- عليهم السلام- وإن كانت مصونة عن الاختلال: فإن فيها ما يبين بالتعبير والتأويل؛ فنقول- والله الموفق لإصابة الحق: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (رأيت ربي في أحسن صورة):