الكتاب في الصلاة على سبيل التعيين، واستدل به أيضا من ذهب إلى خلاف ذلك، وقال إضافة النقصان إلى الصلاة التي لم يقرأ فيها بأم القرآن، دليل على أنها جائزة غير مضمحلة.
وفيه:(قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين). قيل: أراد بالصلاة القراءة، وقد يسمى القراءة صلاة؛ لوقوعها في الصلاة وكونها جزءا من أجزائها قال الله تعالى:{ولا تجهر بصلاتك} قيل: بقراءتك، وقيل: إنه على سبيل الحذف والإضمار أي بقراءة صلاتك، وقد عرف المراد من هذا اللفظ في الحديث بما أردفه من التفسير والتفصيل.
وقد علمنا بذلك أيضا أن المراد من القراءة قراءة فاتحة الكتاب. قوله نصفين، قيل فيه: حقيقة هذا التقسيم راجعة إلى المعنى لا إلى الألفاظ المتلوة؛ لأنا نجد الشطر الآخر يزيد على الشطر الأول من جهة الألفاظ والحروف زيادة بينة؛ فيصرف التنصيف إلى المعنى؛ لأن السورة من جهة المعنى نصفها ثناء ونصفها دعاء، وقسم الثناء ينتهي إلى قوله:{إياك نعبد} وباقي الآية من قسم المسألة؛ فلهذا قال: هذه الآية بيني وبين عبدي.
وقد ذكر هذا الوجه أبو سليمان الخطابي. وهذا كما يقال: نصف السنة إقامة، ونصفها سفر، يراد به انقسام أيام السنة مدة للسفر ومدة للإقامة لا على سبيل التعديل والتسوية بينهما حتى يكونا سواء لا يزيد أحدهما على الآخر.
قلت: والأظهر أن التنصيف منصرف إلى آيات السورة؛ وذلك أنها سبع آيات: فثلاث منها ثناء وثلاث مسألة، والآية المتوسطة بين آيات الثناء وآيات المسألة، نصفها ثناء ونصفها دعاء. وهذا التأويل إنما يستقيم على مذهب من لم يجعل التسمية آية من الفاتحة، فأما من عد التسمية آية منها؛ فلا يستصوب هذا التأويل، وهو بين واضح والحديث يحكم على من خالفه.
قلت: يحتمل أن يقال: إن المراد من الصلاة في هذا الحديث الدعاء، ثم بين حقيقة القسمة بهذه الصورة المشتملة على طرفي الثناء والمسألة، لا يتعدى الدعاء عن هذين القسمين.
[٥٥٩] ومنه: حديث جابر- رضي الله عنه- كان معاذ بن جبل- رضي الله عنه- يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. الرجل الذي كان يصلي خلف معاذ فانحرف هو حزام بن أبي كعب [٨٤/ب] الأنصاري السلمي ... الأنصاري السلمي- رضي الله عنه-، ويقال حزم بن أبي كعب.
وفيه:(أفتان أنت يا معاذ)؟! استفهام على وجه التوبيخ؛ ينبه على كراهة صنيع معاذ وهو إطالة الصلاة؛ لأن طول الصلاة كان الباعث للرجل على مفارقة الإمام، وترك الجماعة، فافتتن به. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يسمع بكاء