للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جدا؛ لأن زيدا كان في أول زمان الهجرة صبيا، وقد قيل: إن أول مشاهده المريسيع، وهي في السنة الخامسة، وفيها قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وفت أذنك يا غلام) وقيل: كان ذلك في غزوة تبوك، فلعله شهد المريسيع، تبعا لغيره؛ لأن علماء النقل ذكروا أن زيدا كان يتيما في حجر عبد الله بن رواحة، فخرج به معه إلى مؤتة يحمله على حقيبة رحله، وغزوة مؤتة إنما كانت سنة ثمان من الهجرة، وروى عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أنه قال: (كنا نرد السلام في الصلاة حتى نهينا عن ذلك) وأبو سعيد أيضا كان في أول الهجرة صبيا، وأول مشاهده الخندق، وهي بعد المريسيع، غير أنا عرفنا بحديث ابن مسعود: (كنا نتكلم في الصلاة، ونأمر بالحاجة، فقدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحبشة وهو يصلي، فسلمت عليه، فلم يرد علي، فأخذني ما قدم وما حدث، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نزل في شيء؟ قال: لا، ولكن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة) فعلمنا بحديث زيد وأبي سعيد أن النسخ كان بعد الهجرة، وعلمنا بحديث ابن مسعود أنه كان قبل بدر؛ لأن ابن مسعود قدم من الحبشة، ثم شهد بدرا، وهذا وقد ذكر غير واحد من علماء النقل وأصحاب السير أن إسلام عمران وأبي هريرة كان عام خيبر وذلك في السنة السابعة من الهجرة، وذكر الخطابي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عنده أنه قد أكمل صلاته، فتكلم على أنه خارج من الصلاة، وأما ذو اليدين، ومراجعته النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره متأول على أن الزمان كان زمان نسخ وتبديل وزيادة في الصلاة ونقصان، فجرى الكلام منه في حال قد يتوهم فيها أنه خارج عن الصلاة، وأما كلام أبي بكر وعمر ومن معهما، ففي بعض طرق هذا الحديث أنهم أومأوا أي: نعم، فدل ذلك على أن رواية من روى أنهم قالوا على المجاز والتوسعة، قلت: وفي هذا التأويل نظر لأن في بعض طرق هذا الحديث: قالوا: نعم يا رسول الله وقد رواه النسائي في كتابه بإسناده عن أبي هريرة- رضي الله عنه- وفي حديثه: (ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق يا نبي الله)، فكيف نصرف معنى القول إلى المجاز، مع ثبوت ما ذكرناه، وأما رواية [٩٥/ب] من روى أنهم أومأوا أي: نعم، فإنها لا تدفع ما تقدم من الرواية؛ لاحتمال أن يكون الإيماء مستندا إلى فعل بعض من حضر فأومى إليه وأجابه آخرون بصريح القول، مع أن تلك الرواية لم تبلغ من الاشتهار والاعتبار إلى حيث تعارض وتدافع بها الروايات التي اشتهرت واتضحت، وقال الخطابي: ولو صح أنهما قالوا بألسنتهم، لم يكن ذلك ضائرا؛ لأنه لم ينسخ من الكلام ما كان جوابا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستدل بحديث أبي سعيد ابن المعلى، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليه وهو يصلي فدعاه فلم يجبه، ثم اعتذر إليه، قال: كنت أصلي، فقال: (ألم تسمع الله يقول: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}. وفي قوله هذا أيضا نظر لأن تحريم الكلام في الصلاة أمر مجمع عليه، وهذا الحديث يعني حديث ابن المعلى محتمل لوجوه، فلا سبيل

<<  <  ج: ص:  >  >>