للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى صرفه إلى أحد الوجوه إلا بكتاب أو سنة أو إجماع، ولم يذكر عن أحد من الصحابة القول باستباحة الكلام على الوجه الذي يدعيه، وأقصى ما يذهب الذاهب إلى حديث أبي سعيد، أن يجعل إجابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولا له من إتمام الصلاة، ولا يلزم منه أن يقال: إن كلامه لم يكن ليخرجه من صلاته، فإن ذلك غير مفهوم عن الحديث، ثم إن الصلاة التي كان فيها، لم يذكر: أفريضة كانت أم نافلة، فربما يختلف الحكم باختلافها، والأغلب والأظهر أنها كانت نافلة، ثم إن حديث أبي سعيد إنما كان يصح الاستدلال له به مع هذه الاحتمالات: أن لو ثبت أن حديثه سبق قصة ذي اليدين، ولا سبيل إلى إثبات ذلك، كيف وهو مع هذا التأويل يدي أن قضية ذي اليدين كانت بعد نسخ الكلام بسنتين، وأبو سعيد المعلى مذكور في طبقته من أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لم يبلغ الحلم، كالنعمان بن بشير، ومحمود بن الربيع ونظرائهما، فأنى يستقيم استثناء جواب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جملة المنسوخ بحديثه؛ بعد ثبوت أن نسخ الكلام في الصلاة كان قبل بدر، على ما ذكرناه من حديث ابن مسعود. هذا وفي بعض ما أتى به أبو جعفر أيضا نظر، وهو تأويله قول أبي هريرة: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو صلى بنا) يعني: بالمسلمين، فالقول لا يكاد يستقيم في هذا الموضع والنظير الذي ذكره من قول النزال لا يعلم (٩٦/أ) من حيث اللهجة العربية؛ لأن المفهوم عندهم من قولنا: صلى فلان، أي: أمنا ودخلنا معه في صلاته، وذلك بإزاء قول القائل: صليت خلف فلان، ولا يصح هذا القول ممن لم يكن داخلا في صلاته، كيف وفي بعض طرق هذا الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه- (بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وأما قول نزال: قال لنا، أي: لقومنا، فإنه قول قويم، وذلك أن قوله: (إنا وإياكم ندعى بني عبد مناف) منبئ عن شرف وفضيلة وخصوصية يشمل القوم كلهم فيشتركون فيه، ونزال من جملتهم: فقوله: قال لنا، أي: فينا ولأجلنا، ولو قلنا نحن: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (صلوا خمسكم) لصح ذلك، لاشتراكنا مع السامعين منه في الأمر والخطاب، ولو قلنا: صلى بنا صح، ورحم الله أبا جعفر، فإنه جاد مجد في التوفيق بين الأحاديث إذا أشكلت لاختلاف ما، ونفى التضاد عنها، وهو أكبر أهل المعاني إصابة في هذا الباب، وإنما حمله على هذا التعمق شدة المحافظة على ما نقل من الصحابة ومن بعدهم من السلف وبقى الإحالة عن أقوالهم، فنظر في هذا الحديث والروايات المختلفة فيه والأقاويل المتضادة، فلم ير التخلص منها مساغا بحيث لا يفضي به التأويل إلى رد شيء من السنة إلا من هذا الوجه، قلت: والحديث الذي رواه أبو جعفر عن ابن عمر، أن إسلام أبي هريرة كان بعد ما قتل ذو اليدين حديث لين عند أهل النقل، لأن مداره على عبد الله بن العمري، وهو ضعيف عندهم، وعبد الله العمري هو: عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، لينه عبد الرحمن، ووثقه أبو جعفر على أصله في عدالة الرجل المسلم، ولما يؤيده من قول الزهري، فإنه كان يقول: إن ذا اليدين قتل يوم بدر، قال الطحاوي: وممن روى عنه ذلك الزهري مع حفظه وجلالة قدره في علماء الحديث وعلمه بالمغازي، قلت: وأكثر أهل النقل على أن ذا اليدين عاش حتى روى عنه المتأخرون من التابعين، فأما الذي قتل ببدر، فهو ذو الشمالين، رجل من خزاعة، وأصحاب المقالة الأولى يزعمون أن ذا اليدين كان يدعى ذا الشمالين، فسماه (٩٦/ب). النبي - صلى الله عليه وسلم - ذا اليدين ومما يدل على ذلك حديث

<<  <  ج: ص:  >  >>