محضورة): أي يشهدها ويحضرها أهل الطاعة من سكان السموات والأرضين وفي غير هذه الرواية عن عمرو بن عبسة: (مشهودة مكتوبة) أي: يشهدها الملائكة، فيكتب أجرها للمصلين، وهذه الرواية أبلغ في المعنى لما فيها من التنبيه على أن الصلاة المتقبلة المثاب عليها ما أقيمت في تلك الساعة المشهودة فيها، وأن ما أقيمت منها في الأوقات المنهي عنها لا يكتب لها ثواب، ولا يرفع لها ميزان.
وفيه (حتى يستقل الظل بالرمح)،كذا وجدناه في سائر نسخ المصابيح، وفيه تحريف، وصوابه: حتى يستقل فيه، وكنت أرى أن الغلط وقع في المصابيح حتى رأيته في بعض نسخ كتاب مسلم على هذا (٩٩/أ) الوجه، فعرفت أن الاختلاف فيه من بعض الرواة. وقد ذكر الحافظ أبو موسى في كتابه الموسوم بمجموع المغيث ولفظه:(حتى يستقل الرمح بالظل) وعلى نقله كل المعول، وذكر في تفسيره أن (استقل) هاهنا بمعنى (قل)، وذكر كلاما حاصله: أن المراد منه أن ظل الرمح يرجع إلى أدنى غاية النقصان وذلك وقت الزوال. والمراد: المعنى صحيح ولكن في تفسير الاستقلال على معنى القلة كلام؛ لأنه لم يوجد في كلامهم وأراه قد نقله عن بعض الحفاظ ولم يأت فيه بحجة واستشهاد، قلت: وإنما يستعمل الاستقلال على وجوه:
أحدها: استقله إذا عده قليلا كقولهم.
والثاني: استقلت السماء أي: ارتفعت وربما قيل: تقالت، ومنه الحديث (حتى تقالت الشمس) أي: ارتفعت في السماء كذا فسروا.
الثالث: استقل القوم أي: ارتحلوا ومضوا ومعناه راجع إلى الاستقلال الذي هو بمعنى الارتفاع ومنه قولهم أيضا: استقل بالشيء إذا رفعه وحمله.
ومعنى قولهم:(يستقل الرمح بالظل) أي: يرفع ظله من الأرض وهو على المجاز والاتساع كقولهم: ألقت الشجرة ظلها ورفعته، ومن المعلوم أن المراد من الاستقلال في هذا الحديث أن الظل يرفع بارتفاع الشمس إلى أن تبلغ في الزوال ويتفاوت ذلك في البلدان على حسب قربها وبعدها من خط الاستواء بتفاوت ارتفاع الشمس وانحطاطها في مجاريها من الفلك.
ووجه اختصاص الرمح بالذكر في بيان الزوال- والله أعلم- أن القوم في غالب أمرهم كانوا يسكنون البوادي ويستقيلون المفاز فإذا أرادوا معرفة الوقت ركزوا رماحهم في الأرض، ثم إن الرمح أصلح شيء لذلك لاستوائه واعتداله وامتداد ظله، وقد روي هذا الحديث بطرق مرضية على غير هذا السياق فرواه أبو داود وفيه روايته (حتى يعدل الرمح ظله)، ومعناه: حتى يصرفه عن النقصان إلى الاستواء الذي لا نقصان بعده.
وفي كتاب النسائي (حتى تعتدل الشمس اعتدال الرمح بنصف النهار) وكل هذه الألفاظ راجعة إلى معنى واحد، وإنما وقع الاختلاف في ألفاظ الحديث من جهة الرواية بالمعنى من قبل الرواة ومن قبل الصحابي لأنه تحدث به كرة بعد وأخرى فاختلفت ألفاظه على حسب ذلك.