يملكه أو في محل يكون في حكمه ويعضد هذا التأويل الرواية الأخرى (في أهله) وفيما يرويه مالك بن الحويرث (من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم) وكل ذلك راجع إلى معنى واحد وهو أن الجماعة شرعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة وتألفهم وتوادهم وإذا أم الرجل الرجل في سلطانه أفضى ذلك إلى توهين أمر السلطنة، وخلع ربقة الطاعة عن الأعناق، وإذا أمه في أهله أو في قومه أدى ذلك إلى التباغض والتقاطع وظهور الخلاف الذي شرع لرفعه الاجتماع والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما بين أن الاستحقاق في التقدم يدور على أربع مراتب وهي المهارة في القراءة، والعلم بالسنة والقدم في الهجرة والكبر في السن ثم رأى أن الناس لو وكلوا في ذلك إلى اختيارهم لهام بهم الأهواء في كل واد وتعسف بهم اختلاف الآراء في كل مسلك فأعلمهم أن مراعاة هذه المراتب وإن كان هو الحق الأبلج فإن التقدم به على ذي السلطنة لاسيما في الأعياد والجمعات غير سائغ وكذا التقدم على إمام الحي ورب البيت للعلل التي ذكرناها إلا أن يؤذن لهم فيه ويدخل في معنى ما ذكرنا من التوقي عن مظان التنافر والتقاطع قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه) والتكرمة ما يعد للرجل إكراما له في منزله من وطاء وفراش وسرير ونحوه وزعم بعضهم أن تكرمته مائدته ولا سناد لهذا التفسير من نقل معتد به ولا من مأخذ مستقيم.
(ومن الحسان)
[٧٦٩] حديث أنس- رضي الله عنه- (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى) قلت: وقد روي عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين، وقد ذكر أهل العلم (١٠٥/أ) بأيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه استخلفه على المدينة في ثلاث عشرة غزوة من غزواته فالسبيل أن أنسا لم يحفظ من تارات الاستخلاف ما حفظه غيره وبهذا الحديث ونظائره التي ذكرناها من علماء النقل يستدل من يقيم الأعمى مقام البصير في الإمامة ومن لا يرى بإمامته بأسا وفي ذلك نظر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما استخلف ابن أم مكتوم على المدينة لما خرج معه علماء الصحابة والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ولم يبق لها إلا أولو الضرر وذوو الزمانة، ولو تخلف عنه ذو علم أو سابقة فربما كان شاسع الدار كمن كان في بني عمرو بن عوف، وبني سلمة وبني حارثة، ومن كان منزله بالعوالي فيشق عليه تعاهد المسجد للصلوات الخمس مع أن الغالب من أمره أن يكون قد تخلف لعلة فتمنعه تلك العلة عن حضور المسجد وكان ابن أم مكتوم يؤذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويلازم المسجد إذا غاب، وكان أقرأ من حضر المسجد، وأعلمهم بالسنة وأقدمهم هجرة وأكبرهم سنا، وقد عدم حينئذ من يناصبه في تلك الفضائل مع أن غمار القوم، بل الجمهور منهم كانوا أصحاب عاهات وذوي زمانة، فلتلك الأسباب والعلل استخلفه عليها وجمع له بين الأذان والإمامة ومن الدليل على ما ذهبنا إليه أنه - صلى الله عليه وسلم - استخلفه عليها مخرجه إلى بدر، فلما كان ببعض الطريق رد