أحدها: (ألا أفعل بك عشر خصال)، والرواية: (ألا أفعل لك).
وثانيها: بعد قوله: (أوله وآخره) سقط منه (قديمه وحديثه).
وثالثها: بعد قوله: (سره وعلانيته) سقط منه: (عشر خصال).
وقد وجدت كثيراً من الناس قد تعذر عليهم تصور معنى هذا الحديث، والمانع منه شيئان:
أحدهما: ما ذكرناه من الحذف.
والآخر: أنهم يرون أن الخصلة إنما تستعمل في سجية خلقية أو خلق مكتسب؛ فتختص بمعنى محمود أو مذموم [١١٦/أ] في نفس الإنسان.
وليس الأمر على ما توهموه؛ فإن الخصلة هي الخلة، والخلة: الاختلال العارض للنفس: إما لشهوتها لشيء، أو لحاجتها إليه بالخصلة، كما يقال للمعاني التي تظهر من نفس الإنسان - يقال أيضاً لما تقع حاجته إليه؛ وقد ورد بمعناه الحديث عن عثمان - رضي الله عنه - أن النبي ? قال: (ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء)؛ فسماها خصالاً، وهي خارجة عن نفس الإنسان.
وإذا قد بينا الخلل الذي في الحديث، وبينا معنى الخصلة - فالآن نبين معنى الحديث، فنقول - ومن الله التوفيق:
قوله: (ألا أمنحك):
المراد منه: المنحة بالدلالة على فعل ما يفيده الخصال العشر، وهو في المعنى قريب مما تقدمه من قوله: (ألا أعلمك)، وفي رواية أبي داود: (ألا أعطيك؟!)، (ألا أمنحك؟!) (ألا أحبوك؟!)، وكل هذه الألفاظ راجعة إلى المعنى الذي ذكرناه، وإنما أعاد القول بألفاظ مختلفة؛ تقريراً للتأكيد، وتوطئة للاستماع إليه.
وأما قوله: (ألا أفعل لك عشر خصال) - فإنما أضاف فعل الخصال إلى نفسه؛ لأنه كان هو الباعث عليها والهادي إليها، والخصال العشر منحصرة في قوله: (أوله وآخره، وقديمه وحديثه خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته؛ فهذه الخصال العشر، وقد زادها إيضاحاً بقوله: (عشر خصال) بعد حصر هذه الأقسام، أي: هذه عشر خصال.
ومن نصب الراء (عشر) فالمعنى: خذها عشر خصال، أو دونك عشر خصال، أو منحتك عشر خصال، وما أبه ذلك.
وأما قوله: (إذا أنت فعلت ذلك): أي: أفعل ذلك من تحقيق الخصال العشر إذا أنت فعلت الأمر الذي أمرتك به؛ فقوله ذلك راجع إلى ما قصد تعليمه إياه، ودلالته عليه. هذا، وقد سئلت عن هذه الأقسام، فقيل لي (أليس الأول والآخر يأتيان على القديم والحديث؛ وعلى هذا: فما فائدة هذه الألفاظ، وتقسيمها على عشر خصال؟):
فكان من جوابي لذلك بتوفيق الله، قلت قد علمنا من الحديث أن الخصال العشر هي التي عدها رسول الله ? مبينات مفصلات؛ فلابد أن يقع البيان على خصال متغايرة لا تتحد معانيها؛ فنقول: