معنى قوله:(أوله وآخره) أي: مبدأه [١١٦/ب] ومنتهاه؛ وذلك لأن من الذنب ما لا يواقعه الإنسان دفعة واحدة، وإنما يتأتى منه شيئاً فشيئاً.
ونظير ذلك الإنسان المواقع في الزنا؛ فإنه يتمنى ويشتهي، ثم يتطلع أولاً إليه، فينظر ويراود، ويقبل ويلامس، ويباشر. وهذه الجملة [وإن كانت ذنوباً متعددة، فإنها الحقيقة راجعة إلى شيء واحد، ولتأكيد الجملة ....] أول وآخر؛ فإذا صحت الإنابة، وتقبلت التوبة؛ تجاوز الله عما اجتلاحه العبد في أول الأمر وآخره.
ويحتما أن يكون معنى قوله:(أوله وآخره) أي: ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومعنى:(قديمه وحديثه) أي: ما قدم به عهده وحدث.
ويحتمل: أن يراد بـ (القديم): ما تعوده؛ فتكرر منه فعله؛ ويكون حينئذ على معنى الإصرار؛ ويراد بالحديث: ما ندر منه؛ وهو خلاف الإصرار.
وقوله:(خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته): فهذه الأقسام الثلاثة - وإن كانت متداخلة؛ لأن الخطأ والعمد يأتيان على سائر أقسام الذنب، وكذلك الصغير والكبير، والسر والعلانية - فإن جنس الذنب لا يخلو عن أحد اقسمين من جملة الأقسام المذكورة، لكن ل قسمين متقالبين منها متفارقان عن الآخرين في الحد والحقيقة؛ فالحكم الذي يختص بالخطاء غير الحكم الذي يختص بالعمد، والمؤاخذة التي تتعلق بالصغير غير الذي تتعلق بالكبير، وكذلك السر والعلانية؛ فالخطأ العمد لا يسدان سد الصغير والكبير؛ لاحتمال أن يكون الخطأ والعمد - المذكوران في الحديث - من أحد قسمي الصغير والكبير، وكذلك الصغير والكبير يحتملان أن يكونا في أحد قسمي السر والعلانية؛ فهي إذن خصال متغايرة.
ثم إن قوله:(غفر له ذنبه): يحتمل أن يكون ذلك الغفران في بعض دون بعض، فإذا قال:(أوله وآخره): ارتفعت الشبهة، وبقي احتمال ذلك الغفران في بعض دونما بعض، فإذا قال:(أوله وآخره): ارتفعت الشبهة، وبقي احتمال أن يكون ذلك فيما قدم دون ما حدث، أو على القلب، فإذا قال:(قديمه وحديثه): زال ذلك الاحتمال، وبقي احتمال أن يكون ذلك في الصغير دون الكبير، فإذا نص عليهما، لم يبق للاحتمال مجال، إلا في السر والعلانية، فإذا ذكرا، زال الإشكال والاشتباه. فعلمنا من الوجوه التي ذكرناها: أن الحصر أفادنا معاني لم نكن لنعرفها إلا بإيراد هذه الألفاظ المعبر عنها بـ (الخصال العشر)، والله أعلم.
[٩٠١] ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي إمامة رضي الله عنه:(فإن البر ليذر على رأس العبد) أي: ينثر ويفرق من قولهم: ذررت الحب والملح والدواء، أذره ذراً، أي: فرقته، ومن الناس من صفحه فيقول:(ليدر) بالدال الملهمة؛ وهو مشاكل للصواب من طريق المعنى، إلا أن الرواية لم تساعده، وكذلك رواه