للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنهي عن تمني الموت- وإن أطلق في هذا الحديث- فإنه في معنى المقيد، يبين ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس رضي الله عنه: (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)؛ فعلى هذا: يكره تمني الموت من ضر أصابه في نفسه أو ماله لأنه في معنى التبرم عن قضاء الله في أمر يره في دنياه، وينفعه في آخرته، ولا يكره الخوف في دينه من فساد.

وفيه: (إما محسناً):

وردت الرواية فيه- أيضاً- بالرفع، وبالنصب هي الرواية المعتد بها تقديره: إما أن يكون محسناً، أو: إما في تمنيه محسناً، ويفتح الألف على هذا التقدير، ولفظ الحديث محتمل للكلمتين، أعنى: إماً وأما، والذي اعتمد عليه: (إما) بكسر الألف الذي هو في معنى المجازاة.

وفيه: (فلعله أن يستعتب):

أي: يطلب أن يعتب، تقول: استعتبته فأعتبني، أي: استرضيته فأرضاني، وحقيقة الإعتاب: إزالة العتب والمراد منه هنا أن يتوب فيطلب رضاء الله سبحانه بتوبته.

[١٠٩٠] ومنه: حديث عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أحب لقاء الله .... الحديث).

قال أبو عبيدة: ليس وجه قوله: (ومن كره لقاء الله): أن يكره شدة الموت؛ فإن هذا أمر لا يكاد يخلو منه أحد، وبلغنا عن غير واحد من الأنبياء، أنه كرهه حين نزل به، ولكن المكروه من ذلك ما كان إيثاراً للدنيا على الآخرة، وركوناً إلى الحظوظ العاجلة، وقد عاب الله قوماً حرصوا على ذلك، فقال عز من قائل: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة).

قلت: وقد استبان معنى الحديث من سؤال عائشة، رضي الله عنها، وجواب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فالحب- ههنا- هو الذي يقتضيه الإيمان بالله، والثقة بوعده، دون ما يقتضيه حكم الجبلة.

[١٠٩٣] ومنه: حديث جابر، رضي الله عنه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله):

<<  <  ج: ص:  >  >>