أحدهما: البناء على القبر بالحجارة وما يجرى مجراها.
والآخر: أن يضرب عليه خباء أو نحوه.
وكلا الوجهين منهي عنه:
أما الأول: فقد ذكرناه.
وأما الثاني: فلأنه في معنى الأول، لانعدام الفائدة فيه، ولأنه من صنيع أهل الجاهلية، وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنه؛ أنه رأي فسطاطاً على قبر عبدالرحمن- وهو عبدالرحمن بن عمر أخوه- فقال: انزعه يا غلام؛ فإنما يظله عمله.
وقوله: (وأن يقعد عليه): حمله الأكثرون على ما يقتضيه الظاهر، وكذلك حديث أبي مرثد الغنوي الذي يتلو هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها)، وحديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أن يجلس أحدكم على جمرة .... الحديث).
وإنما ورد التهديد في ذلك؛ لما فيه من الاستخفاف بحق أخيه وحرمته، وفي هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كسر عظام الميت ككسره حيا).
وحمله جماعة على الجلوس على القبر لقضاء الحاجة؛ وروى هذا المعنى عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- وهو قوله: (إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجلوس على القبر حدث أو غائط أو بول)، وروا- أيضاَ ١٣٤] /ب [- عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط، فكأنما جلس على جمرة نار).
قيل لهم: النهي عن الجلوس عليه في حديث زيد وأبي هريرة- لا ينافي حديث جابر وأبي مرثد في النهي عن الجلوس عليه من غير حاجة.
فقالوا: رددنا المجمل إلى المفسر، مع أنا وجدنا النقل عن على-رضي الله عنه- أنه كان يتوسد القبر، وكان ابن عمر- رضي الله عنه- يجلس على القبور.
قيل لهم: أما التوسد: فغير الجلوس عليه، أما ما نقلتم عن ابن عمر رضي الله عنهما: فلعل النقل لم يبلغه، أو تأول الحديث على ما تأولتم هذا إذا صح النقل عنه.
قلت: وفي بعض طرق حديث جابر: (وأن يوطأ عليه) مكان: (وأن يقعد عليه)، وفي (كتاب أبي داود): (وأن يتكأ عليه).
ولكل فئة من الفئتين طريق مستقيم فيما ذهب إليه.
وأرى الأشبه، والأمثل في بيان هذه الأحاديث أن يجمل ما فيه التغليظ على الجلوس للحدث؛ فإنه استخفاف بحق المسلم؛ وهو محرم عليه، وما لا تغليظ فيه: فإنه يحمل على الجلوس عليه؛ نهى عنه كرامة للمؤمن.