للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هذه الألفاظ متقاربة المعاني وكلها يعرب عن أثر ما يظهر على الجلد واللحم من ملاقاة الجسد ما يقشر أو يجرح، والظاهر أنه قد اشتبه على الراوي ما تلفظ به النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذه الثلاث، فذكر سائرها؛ احتياطا في مراعاة ألفاظه، ويحتمل وجها آخر، وهو أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرها على ما في الحديث، وذلك أظهر لفقدان البيان في الوجه الأول، وعلى هذا فيكون دخول (أو) للتقسيم لا على سبيل الارتياب وفي هذا الوجه يفتقر أن نفرق من الألفاظ الثلاثة في المعني ليصح التقسيم، فيقول: الكدح دون الخدش، والخدش دون الخمش، يقال: خمشت المرأة وجهها: إذا خدشته بظفر أو حديدة أو نحوها، والخمش يستعمل على معنى القطع يقال: خمشنى فلان، أي: قطع منى عضوا.

ومنه حديث قيس بن عاصم المنقرى: (كانت بيننا وبينهم خماشات في الجاهلية) قال النضر بن شميل: ما دون الدية فهي خماشات، مثل: قطع يد أو رجل أو أذن.

قلت: ولا يستعمل الخدش مكان الخمش في هذا الموضع، فتبين لنا أن الخمش أبلغ في معناه من الخدش، والخدش أبلغ من الكدح؛ لأن الكدوح يقال للآثار التي تظهر من الخدش والعض ونحوه، وإنما يقال للحمار: مكدح، إذا كان به آثار العضاض. ولما كان الناس في المسألة على ثلاث مراتب: مقل، ومستكثر ومفرط فيها، ذكر هذه الأقسام الثلاثة، ليبين بها منازل هؤلاء الثلاثة، فيما ينالهم من الهوان وسقوط الجاه والمنزلة.

ومما يحتاج إلى البيان من هذا الحديث: أنه فسر ما يغنيه بخمسين درهما، وفي الحديث [١٤٧ ب] الذي يتلوه وهو حديث سهل بن الحنظلية مما يغديه ويعشيه، وبغير ذلك مما سنذكره وقد تكلم الشيخ أبو جعفر الطحاوي في شأن هذه المقادير، ووجه التوفيق بينها، ونحن نذكر زبدة كلامه، ثم نردفها بما قيض لنا من البيان، إن شاء الله.

ذكر أبو جعفر حديث سهل بن الحنظلية، وفيه قال: (وما يغنيه؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه) وقد أخرجه أبو داود في كتابه، ثم ذكر حديث الأسدي، وقد أخرجه أيضا أبو داود في كتابه، عطاء بن سيار، عن رجل من بني أسد، قال: (ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله إلحافا) قال أبو جعفر: والأوقية يومئذ أربعون درهما. ثم ذكر حديث ابن مسعودـ الذي شرعنا في بيانه، ثم روى بإسناد له عن عبد الحميد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>