إليه بهذا القول راجع إلى معاني تعلقت بأحوالهم دون ما فيه من التعلق بالقول؛ كيف وقد ناقض ظاهر قولهم هذا نصوصا كثيرة، وهم أشد الناس فرارا عن جميع ما يخالف الكتاب والسنة، ولم يأت القوم في الكراهة بمتمسك إلا بحديث جابر- رضي الله عنه- أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في دين كان على أبي فدققت الباب فقال: من ذا؟ فقلت: أنا، فقال:(أنا أنا) كأنه كرهها. وهو حديث صحيح.
وقد أورده مؤلف هذا الكتاب في باب الاستئذان، ولو أخذنا بظاهر الحديث كما أخذوا كنا كمن حفظ بابا وضيع أبوابا كثيرة، وأنى يصح القول بظاهر هذا الحديث وقد وجدنا فيما حكي عن الأنبياء الله في كتابه أنهم كانوا يستعملونها في كلامهم ولاسيما فيما أمر الله به رسوله نحو قوله {قل إنما أنا بشر مثلكم}، وقوله {وأنا أول المسلمين}، وقوله {وما أنا من المتكلفين}، وقوله {ولا أنا عابد ما عبدتم} وقد قال - صلى الله عليه وسلم - (أنا سيد ولد آدم وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأنا أول شافع، وأنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر، وأنا الماحي، وأنا المقفي) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث، وقد تلفظ بها السابق في الخيرات صديق هذه الأمة- رضي الله عنه- بين يدي رسول الله كرة بعد أخرى فلم ينكر عليه ولم ينهه، ولو شيءنا لآتينا من كتاب الله وسنة رسوله من نظائر ما ذكرنا بما يتجاوز فلا وجه إذا للذهاب إلى كراهة ذلك. ونظرنا إلى حديث جابر فوجدناه قد ذكر الكراهة على سبيل البيان، ثم إنه لم يصح بالأمر المكروه، فالوجه أن نقول رأينا النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمله ليخبره عن نفسه، فيعرف من الوارد عليه فيرتفع الإبهام. فلما قال: أنا، لم يأت بجواب يفيده المعرفة بل بقي الإبهام على حاله فكره ذلك للمعني الذي ذكرناه لا لتلفظه بتلك الكلمة، فلو قال: أنا جابر يكن - صلى الله عليه وسلم - ليكره [١٥١/ب] قوله أو ينكر عليه. هذا وجه في الحديث ليمكننا التوفيق بين النصوص التي ذكرناها، والله أعلم.
[١٢٨٤] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أيضا (يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة)، لا بد من إضمار في قوله يا نساء المسلمات؛ لأن إضافة الموصوف إلى الصفة غير