للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويكون بالبدن وهو الأصل والأكثر ويكون بالعناية والهمّة، وصاحب القرآن هو الملازم له بالهمة والعناية ويكون ذلك تارة بالحفظ والتلاوة وتارة بالتدبر له والعمل به.

فإن ذهبنا فيه إلى الأول، فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض والمنزلة التي في الحديث هي ما يناله العبد من الكرامة على حسب منزلته في الحفظ والتلاوة لا غير، وذلك لما عرفنا من أصل الدّين، أنّ العامل بكتاب الله المتدّبر له أفضل من الحافظ والتالي، إذا لم ينل شأوَه في العمل والتدبر وقد كان في الصحابة من هو أحفظ لكتاب الله تعالى من أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وأكثر تلاوة منه وكان هو أفضلهم على الإطلاق لبقه عليهم في العلم بالله وبكتابه وتدبره له وعمله به.

وإن ذهبنا إلى الثاني وهو أحق الوجهين وأتمهما فالمراد من الدرجات التي يستحقها بالآيات سائرها وحينئذٍ تقدر التلاوة في القيامة على مقدار العمل فلا يستطيع أحد أن يتلو آية إلا وقد أقام ما يجب عليه فيها واستكمال ذلك إنما يكون للنبي (- صلى الله عليه وسلم -) ثم الأمة بعده على مراتبهم ومنازلهم في الدين كل منهم يقرأ على مقدار ملازمته إياه تدبرا وعملا وقد ورد في الحديث (إن درجات الجنة على عدد آيات القرآن) وفي هذا دليل على صحة ما ذهبنا إليه.

[١٤٨١] ومنه: حديث على - رضي الله عنه - سمعت رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) يقول: (ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج منها ...) الحديث المخرج - بفتح الميم-: موضع الخروج وهو - أيضًا - مصدر تقول: خرجت خروجًا ومخرجًا ومعنى الحديث ما السبب الموصل عند وقوع تلك الفتنة إلى التفصّى عنها والتخلص منها.

وفيه (هو الفصل) قيل: ما [أراد] نعته في الحديث يقتفي نعته في الكتاب قال الله تعالى {إنه لقول فصل (١٣) وما هو بالهزل} الفصل هو الفاصل بين الحق والباطل [١٧٥/ب].

والهزل ضد الجد كأنما أخذ من الهزل الذي هو ضد السمن تقول هُزلت الدابة هُزالاً - على ما لم يسم فاعله - وهزلتها فهي مهزول. وحقيقة المراد من الهزل هو القول العرىّ عن المعنى المرضى، والكلام الخالي عن القواعد المطلوبة.

وفيه (من تركه من جبار قصمه الله) الجبار في صفة الإنسان لا يقال إلا على طريق الذم، فإنما يُوصف به إما لأنه يجبر نقيصته بادَّعاء منزلة من التعالي لا يستحقها، أو لأنه يذهب بنفسه على التعالي عن قبول الحق والإذعان له.

<<  <  ج: ص:  >  >>