ومنه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل) أي: فيسهل عليه تحمل ما نزل به من البلاء فيصبره عليه أو يرضيه به؛ حتى لا يكون في نزوله متمنيا بخلاف ما كان مما لم ينزل، بأن يصرفه عنه، أو يمده قبل النزول بتأييد منه، يخفف معه أعباء ذلك إذا نزل به.
[١٥٤٦] ومنه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة). يؤول هذا الحديث من وجهين: أحدهما أن يقال: كونوا أوان الدعاء على حالة تستحقون معها الإجابة، وذلك بإتيان المعروف، واجتناب المنكر، وغير ذلك من مراعاة أركان الدعاء وآدابه؛ حتى لا تكون الإجابة على قلبه أغلب من الرد، وقد مر نظير هذا القول في تأويل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله). والآخر أن يقال: أراد: ادعوه معتقدين لوقوع الإجابة؛ لأن الداعي إذا لم يكن متحققا في الرجاء لم يكن رجاؤه صادقا، وإذا لم يكن الرجاء صادقا لم يكن الدعاء خالصا، والداعي مخلصا؛ فإن الرجاء هو الباعث على الطلب، ولايتحقق الفرع إلا بتحقق الأصل.
[١٥٤٨] ومنه: حديث سلمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا) أي لا يفعل ذلك؛ لأن المعهود أن المستحيي من الشيء لا يفعله، بل يتركه، ومعنى قولنا: لا يفعل أي: لا ينبغي للسائل أن يضمر غيره لأن ذلك هو الأحسن، وحسن الظن بالله في الجملة هو الأولى، فليكن ظن الداعي بربه أنه داخل في هذا الوعد، وإن كان ذلك خبرا يحتمل إطلاقه من الخصوص والتقييد بالشروط ما يحتمله الأمر والنهي [١٨٢/ب].
ثم إن قوله:(أن يردهما صفرا) لا يثبت أن دعوته مستجابة؛ بل يشعر بأنهما لا تردان بغير شيء: من قضاء حاجة أو ثواب، أو نحو ذلك. وقوله (صفرا) أي: خالية، يقال: صفر الشيء - بالكسر - أي: خلا، والمصدر الصفر بالتحريك، ولا يدخلون فيه تاء التأنيث؛ بل يستعملونه على صيغته هذه في المؤنث والمذكر، والتثنية والجمع، قال الشاعر: