[١٥٤٩] ومنه حديث عمر - رضي الله عنه - (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه).
قلت: رفع اليدين في الدعاء سنة سار في الأولين والآخرين سائرها، ولما كان الاجتهاد في الابتهال والضراعة بأقصى ما تمكن العبد بين يدي الله من حق الدعاء استحب له أن يجمع فيه - بعد الإخلاص - بين القول والفعل، فكان الثناء على الله تعالى بمحامد صفاته، والاعتراف بالذلة والمسكنة، والقصور عما يبتغيه - ابتهالا قوليا، ومد السيد على سبيل الضراعة ابتهالا فعليا؛ لأنه يصير بذلك كالسائل المتكفف المتعرض لأن يملأ كفه مما يسد خلته؛ ولما كانت هذه الصيغة ضراعة استحب له أن يبالغ في مد اليدين على حسب ما به من الفاقة، فكلما كانت الحاجة أمس كان مد اليد أشد؛ فإنه إذا رفعهما إلى السماء مبالغا في الرفع - كان كالحرص على شيء يتوقع تناوله، فيجتهد أن تكون يده أقرب إليه.
وفي الحديث:(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرفع يديه إلا في الاستسقاء) وقد ذكرنا أن المراد به: كل الرفع؛ لما صح عندنا أنه كان يرفع يده حالة الدعاء، وذلك الذي في الاستسقاء للمبالغة في إظهار الفاقة، وامتساس الحاجة، فإن الناس يمتحنون من حبس المطر عنهم بما لا صبر لهم عليه. وفي الحديث:(كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أصابته شدة رفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه) وأما مسح الوجه بهما في خاتمة الدعاء فنراه من طريق التحين والتفاؤل؛ كأنه يشير إلى أن كفيه ملئتا من البركات السماوية، والأنوار الإلهية، فهو يفيض منها على وجهه الذي هو أولى الأعضاء بالكرامة.
[١٥٥٢] ومنه: حديث عمر - رضي الله عنه - استأذنت النبي - عليه السلام - في العمرة فأذن