{وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه}، وقوله:{يظنون بالله غير الحق}.
فالأول من اليقين، والثاني من الشك. فقوله:(أنا عند ظن عبدي بي) أي: عند يقينه بي، في الاعتماد علي، والاستيثاق بوعدي، والرهبة من وعيدي، والرغبة فيما عندي، والاستغناء بي، [والاستغفار] عني؛ أعطيه إذا سألني، [١٨٣ م/ب] وأستجيب له إذا دعاني. كل ذلك على حسن ظنه، وقوة يقينه بي؛ وشاهد هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة أيضا:(علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي) وفيه: (وأنا معه إذا ذكرني): يعني بالتوفيق والمعونة، وفيه:(فإن ذكرني في نفسه ..) الحديث: الذكر من الله: حسن قبوله منه، والمجازاة له بالحسنى، فالمراد من قوله هذا أن العبد إذا ذكره في السر آتاه الله ثواب ذلك سرا على منوال عمله. فإن قيل: قد علمنا فائدة الذكر الخفي من العبد، وذلك أنه يكون من الآفات الداخلة على الأعمال بمعزل، ومن الإخلاص لله بمكان؛ فما فائدة ذكر الله تعالى عبده في الغيب قلنا: الاصطفاء والاستئثار؛ فإن الله تعالى إنما يدع علم الشيء بمكان استئثارا به، وفيه أيضا عن اطلاع الملأ الأعلى عليه، وتوقى عمله عن إحاطة علم الخلق بكنه ثوابه. ونظير هذا المعنى قد تقرر في بيان [حديث]: (الصوم لي وأنا أجزي به). وفيه أيضا تنبيه على كون العبد من الله بمكان [تكنه] عن الأغيار.
وفيه (وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم): المراد منه مجازاة العبد بأحسن مما جاء به [وأفضل] مما تقرب به إلى ربه. فإن قيل: أوليس في قوله: (في ملأ خير منهم) الحجة البينة لمن يذهب إلى تفضيل الملائكة على سائر البشر؟ قلنا: نرى الفضل من البشر عليهم لأفاضل المرسلين ثم لأفاضل المقربين؛ ثم نرى التوقف فيما سوى ذلك، مع تقديم كثير من خواص الأمة على المتأخرين في المنزلة عن أفاضلهم، أعني الملائكة، وعلى هذا نجعل أفاضل المرسلين كالمستنثى عنهم على وجه التخصيص في جملتهم، فإن قيل: فما تقول فيمن ذكر الله تعالى في ملأ دخل في غمارهم [] المفضلين؟ قلنا: نقدر الأمر على أنه ذكر ذلك العبد بمسمع من الرسول المفضل في أفاضل الملائكة؛ ثم إن الخيرة في هذا الباب وهذا الحديث محتملة لأن تكون راجعة إلى ما يكون المذكور بصدده، أي: ملأ خير من الملأ الذين ذكر الله تعالى. (١٨٣/أ)(١٨٥/ب).
[١٥٦٨] ومنه حديث أبي ذر - رضي الله عنه - (وإن لقيتني بقراب الأرض خطيئة): قراب الأرض: ما يقارب ملئها، قال الشاعر: